ثم دل جل وعز على نفسه، فقال: ﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ﴾ يعني بدأ خلقكم ﴿ مِّن تُرَابٍ ﴾ يعني آدم عليه السلام ﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ يعني نسله ﴿ ثُمَّ جَعَلَكُمْ ﴾ ذرية آدم ﴿ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ ﴾ يقول: لا تحمل المرأة الولد ﴿ وَلاَ تَضَعُ ﴾ الولد ﴿ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ﴾ ثم قال جل وعز: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ يعني من قل عمره أوكثر فهو إلى أجله الذي كتب له، ثم قال جل وعز: ﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾ كل يوم حتى ينتهي إلى أجله ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾ اللوح المحفوظ مكتوب قبل إن يخلقه ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [آية: ١١] الأجل حين كتبه الله جل وعز في اللوح المحفوظ.﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ ﴾ يعني الماء العذاب والماء المالح ﴿ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ يعني طيب ﴿ سَآئِغٌ شَرَابُهُ ﴾ يسيغه الشارب ﴿ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ مر لا ينبت ﴿ وَمِن كُلٍّ ﴾ من الماء المالح والعذب ﴿ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً ﴾ السمك ﴿ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً ﴾ يعني اللؤلؤ ﴿ تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ﴾ يعني بالمواخر أن سفينتين تجريان أحدهما مقبلة والآخرى مدبرة بريح واحدة، تستقبل إحداهما الأخرى ﴿ لِتَبْتَغُواْ ﴾ في البحر ﴿ مِن فَضْلِهِ ﴾ من رزقه ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ١٢].
﴿ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ ﴾ انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يصير أحداهما إلى تسع ساعات والآخر إلى خمس عشرة ساعة ﴿ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ﴾ لبني آدم ﴿ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ كلاهما دائبان يجريان إلى يوم القيامة، ثم دل على نفسه، فقال جل وعز: ﴿ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ ﴾ فاعرفوا توحيده بصنعه، ثم عاب الآلهة، فقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ ﴾ الذين تعبدون ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ الأوثان ﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ [الآية: ١٣] قشر النوى الذي يكون على النوى الرقيق. ثم أخبر عن الآلهة اللات والعزى، ومناة، فقال سبحانه: ﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ ﴾ يقول: لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم ﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ ﴾ يقول: إن الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم إياها، فتقول للكفار: ما أمرناكم بعبادتنا، نظيرها في يونس:﴿ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴾[يونس: ٢٩] ثم قال للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [آية: ١٤] يعني الرب نفسه سبحانه فلا أحد أخبر منه. قوله عز وجل: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ﴾ يعني كفار مكة ﴿ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ يعني إلى ما عند الله تعالى ﴿ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ﴾ عن عبادتكم ﴿ ٱلْحَمِيدُ ﴾ [آية: ١٥] عند خلقه.﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ ﴾ أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم ﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [آية: ١٦] غيركم أمثل منكم.﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [آية: ١٧] إن فعل ذلك هو على الله هين.﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى ﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ﴾ من الوزر ﴿ إِلَىٰ حِمْلِهَا ﴾ من الخطايا أن يحمل عنها ﴿ لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ ﴾ من وزرها ﴿ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾ ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئاً من وزرها ﴿ إنَّمَا تُنذِرُ ﴾ المؤمنين ﴿ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ ﴾ آمنوا به ولم يروه ﴿ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾ أتموا الصلاة المكتوبة ﴿ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ﴾ ومن صلح فصلاحه لنفسه ﴿ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ١٨] فيجزى بالأعمال في الأخرة. ثم ضرب مثل المؤمن والكافر، فقال جل وعز: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ [آية: ١٩] وما يستويان في الفضل والعمل الأعمى عن الهدى، يعني الكافر والبصير بالهدى المؤمن.﴿ وَلاَ ﴾ تستوي ﴿ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ ﴾ [آية: ٢٠] يعني بالظلمات الشرك والنور يعني الإيمان.