﴿ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ يقول: إن قرآن محمد صلى الله عليه وسلم يصدق ما قبله من الكتب التي أنزلها الله عز وجل على الأنبياء، عليهم السلام ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ﴾ بأعمالهم ﴿ بَصِيرٌ ﴾ [آية: ٣١] بها.﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ﴾ قرآن محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا ﴾ اخترنا ﴿ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ من هذه الأمة ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ أصحاب الكبائر من أهل التوحيد ﴿ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ عدل في قوله ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ ﴾ الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة، وتصديق الأنبياء ﴿ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ﴾ بأمر الله عز وجل ﴿ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [آية: ٣٢] دخول الجنة. ثم أخبره بثوابهم، فقال جل وعز: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ تجري من تحتها الأنهار ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾ هؤلاء الأصناف الثلاثة ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ﴾ بثلاث أسورة ﴿ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [آية: ٣٣] وقد حبس الظالم بعد هؤلاء الصنفين السابق والمقتصد، ما شاء الله من أجل ذنوبهم الكبيرة، ثم غفرها لهم وتجاوز عنهم، فأدخلوا الجنة، فلما دخلوها، واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة ودخول الجنة.﴿ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ ﴾ لأنهم لا يدرون ما يصنع الله عز وجل بهم ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ ﴾ للذنوب العظام ﴿ شَكُورٌ ﴾ [آية: ٣٤] للحسنات وإن قلت، وهذا قول آخر شكور للعمل الضعيف القليل، فهذا قول أهل الكبائر من أهل التوحيد. ثم قالوا: الحمد لله ﴿ ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ ﴾ يعني دار الخلود أقاموا فيها أبداً لا يموتون ولا يتحولون عنها أبداً ﴿ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾ لا يصيبنا في الجنة مشقة في أجسادنا ﴿ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [آية: ٣٥] ولا يصيبنا في الجنة عيا لما كان يصيبهم في الدنيا من النصب في العبادة.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله ﴿ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ ﴾ هكذا ﴿ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [آية: ٣٦] بالإيمان.﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ يعني يستغيثون فيها والاستغاثة أنهم ينادون فيها ﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ ﴾ من الشرك، ثم قيل لهم: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ﴾ في الدنيا ﴿ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ ﴾ في العمر ﴿ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ ﴾ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ فَذُوقُواْ ﴾ العذاب ﴿ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴾ [آية: ٣٧] ما للمشركين من مانع يمنعهم من الله عز وجل.﴿ نَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ يعلم ما يكون فيهما وغيب ما في قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ٣٨] بما في القلوب.﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ من بعد الأمم الخالية ﴿ فَمَن كَفَرَ ﴾ بتوحيد الله ﴿ فَعَلَيْهِ ﴾ عاقبه ﴿ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً ﴾ يقول الكافر لا يزداد في طول العمل إلا ازداد الله جل وعز له بغضاً، ثم قال جل وعز: ﴿ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً ﴾ [آية: ٣٩] لا يزداد الكافرون في طول العمل إلا ازدادوا بكفرهم خساراً.﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لكفار مكة ﴿ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ﴾ مع الله يعني الملائكة ﴿ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ ﴾ يعني تعبدون ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ ﴾ يقول: ماذا خلقت الملائكة في الأرض كما خلق الله عز وجل أن كانوا آلهة ﴿ أَمْ لَهُمْ ﴾ يعني أم لهم: الملائكة ﴿ شِرْكٌ ﴾ مع الله عز وجل في سلطانه ﴿ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنْهُ ﴾ يقول: هل أعطينا كفار مكة فهم على بينة منه بأن مع الله عز وجل شريكاً من الملائكة ثم أستأنف، فقال: ﴿ بَلْ إِن يَعِدُ ﴾ ما يعد ﴿ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ﴾ [آية: ٤٠] ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الملائكة لهم في الآخرة إلا باطلاً.


الصفحة التالية
Icon