﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ﴾ يعنى حديث ﴿ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ ﴾ [آية: ٢١] وذلك أن داود قال: رب اتخذت إبراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً، فوددت أنك أعطيتنى من الذكر مثل ما أعطيتهما، فقال له: إنى ابتليتهما بما لم أبلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل الذى ابتليتهما، وأعطتيك مثل ما أعطيتهما من الذكر، قال: نعم، قال: أعمل عملك، فمكث داود، عليه السلام، ما شاء الله عز وجل، يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف الليل، إذا صلى فى المحراب فجاء طير حسن ملون، فوقع إليه فتناوله، فصار إلى الكوة، فقام ليأخذه، قوقع الطير فى بستان، فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من حسنها، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها فغطت جسمها، فزاده بها عجباً ودخلت المرأة منزلها، وبعث داود غلاماً فى اثرها إذا هى بتسامح امرأة أدريا بن حنان، وزوجها فى الغزو فى بعث البلقاء الذى بالشام، مع نواب بن صوريا ابن أخت داود، عليه السلام، فكتب داود إلىابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا، فيقاتل أهل البلقاء، ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل، فقدمه فقتل، رحمة الله عليه، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فولدت سليمان بن داود، فبعث الله عز وجل إلى داود، عليه السلام، ملكين ليستنقذه بالتوبة، فأتوه يوم رأس المائة فى المحراب، وكان يوم عبادته الحرس حوله.﴿ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾ فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود، وقال فى نفسه: لقد ضاع ملكى حين يدخل علىّ بغير أذن.
﴿ قَالُواْ ﴾ فقال أحدهما لداود: ﴿ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى بالعدل ﴿ وَلاَ تُشْطِطْ ﴾ يعنى ولا تجر فى القضاء ﴿ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ ﴾ [آية: ٢٢] يقول: أرشدنا إلى القصد الطريق. ثم قال: ﴿ إِنَّ هَذَآ أَخِي ﴾ يعنى الملك الذى معه ﴿ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ﴾ يعنى تسعة وتسعون امرأة وهكذا كان لداود. ثم قال: ﴿ وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ يعنى امرأة واحدة ﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ﴾ يعنى أعطنيها ﴿ وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ ﴾ [آية: ٢٣] يعنى غلبنى فى المخاطبة، إن دعا كان أكثر من ناصرً، وإن بطش كان أشد منى بطشاً، وإن تكلم كان أبين منى فى المخاطبة.﴿ قَالَ ﴾ داود: ﴿ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ﴾ يعنى بأخذه التى لك من الواحدة، إلى التسع والتسعين التى له ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ ﴾ يعنى الشركاء ﴿ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ ليظلم بعضهم بعضاً ﴿ إِلاَّ ﴾ استثناء، فقال: إلا ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ لا يظلمون أحداً ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ يقول: هم قليل، فلما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك، فلم يفطن لهما، فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه، وعلم أن الله تبارك وتعالى ابتلاه بذلك ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ يقول: وعلم داود أنا ابتليناه ﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً ﴾ يقول: وقع ساجداً أربعين يوماً وليلة ﴿ وَأَنَابَ ﴾ [آية: ٢٤] يعنى ثم رجع من ذنبه تائباً إلى الله عز وجل.
﴿ وَخَرَّ رَاكِعاً ﴾ مثل قوله﴿ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً ﴾[البقرة: ٥٨] يعنى ركوعاً.﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ﴾ يعنى ذنبه، ثم أخبر بما له فى الآخرة، فقال: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ ﴾ يعنى لقربة ﴿ وَحُسْنَ مَـآبٍ ﴾ [آية: ٢٥] يعنى وحسن مرجع.


الصفحة التالية
Icon