ثم قال: ﴿ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾، يعني المشركين المسرفين.
﴿ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٧٤]، يعني لا يموتون.﴿ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ﴾، العذاب طرفة عين.
﴿ وَهُمْ فِيهِ ﴾، يعني في العذاب.
﴿ مُبْلِسُونَ ﴾ [آية: ٧٥]، يعني آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب، مبشرين بكل سوء، زرق الأعين، سود الوجوه. ثم قال: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ﴾، فنعذب على غير ذنب.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٧٦].
﴿ وَنَادَوْاْ ﴾ في النار: ﴿ يٰمَالِكُ ﴾، وهو خازن جهنم، فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾، فيسكت عنهم مالك، فلا يجيبهم مقدار أربعين سنة، ثم يوحي الله تعالى إلى مالك بعد أربعين أن يجيبهم، فرد عليهم مالك: ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ [آية: ٧٧]، في العذاب، يقول: مقيمون فيها. فقال مالك: ﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ في الدنيا، يعني التوحيد.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [آية: ٧٨].
قوله: ﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ [آية: ٧٩]، يقول: أم أجمعوا أمراً، وذلك أن نفراً من قريش، منهم: أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهشام بن عمرو، وأبو البحتري بن هشام، وأمية بن أبي معيط، وعيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، بعد موت أبي طالب، اجتمعوا في دار الندوة بمكة ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم سراً عند انقضاء المدة، فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير، فجلس إليهم، فقالوا له: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا؟ قال عدو الله: أنا رجل من أهل نجد، وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، فأردت أن أسمع حديثكم، وأشير عليكم، فإن كرهتم مجلسى خرجت من بينكم. فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد، ليس من أهل مكة، فلا بأس عليكم منه، فتكلموا بالمكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو البحتري بن هشام، من بني أسد بن عبد العزى: أما أنا، فأرى أن تأخذوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه، وتجعلوا له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت، فقال إبليس: بئس الرأى رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكمك صغو، قد سمع به من حولكم، تحبسونه في بيت، وتطعمونه، وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه، ويفسد جماعتكم، ويسفك دماءكم، قالوا: صدق والله الشيخ. فقال هشام بن عمرو، من بني عامر بن لؤي: أما أنا، فأرى أن تحملوه على بعير، فتخرجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم، فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم، وتبعه طائفة منكم، فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم، فقال أبو جهل: صدق والله الشيخ. فقال أبو جهل بن هشام: أما أنا، فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش، فتأخذون من كل بطن منهم رجلاً، فتعطون كل رجل منهم سيفاً، فيضربونه جميعاً، فلا يدري قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته، فقال إبليس: صدق والله الشاب، إن الأمر لكما. قال: فتفرقوا عن قول أبي جهل، فنزل جبريل، عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما ائتمروا به، وأمره بالخروج، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار، وأنزل الله تعالى في شرهم الذي أجمعوا عليه: ﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾، يقول: أم أجمعوا أمرهم على محمد صلى الله عليه وسلم بالشر، فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون، فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر. يقول: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ﴾ الذي بينهم.
﴿ وَنَجْوَاهُم ﴾ الذي أجمعوا عليه ليثبتوك في بيت، أو يخرجونك من مكة، أو يقتلونك.
﴿ بَلَىٰ ﴾ نسمع ذلك منهم.
﴿ وَرُسُلُنَا ﴾ الملائكة الحفظة.
﴿ لَدَيْهِمْ ﴾، يعني عندهم ﴿ يَكْتُبُونَ ﴾ [آية: ٨٠].
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾، يعني ما كان للرحمن ولد.
﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ ﴾ [آية: ٨١]، وذلك أن النضر بن الحارث، من بني عبدالدار بن قصي، قال: إن الملائكة بنات الله، فأزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾، يعني ما كان للرحمن ولد.
﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ ﴾، يعني الموحدين من أهل مكة بأن لا ولد.


الصفحة التالية
Icon