﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ بموسى صلى الله عليه وسلم حتى ازدروه، كما ازدرى أهل مكة النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ولد فيهم فازدروه، فكان النبى صلى الله عليه سلم فتنة لهم، كما كان موسى صلى الله عليه وسلم فتنة لفرعون وقومه، فقالت قريش: أنت أضعفنا وأقلنا حيلة، فهذا حين ازدروه، كما ازدروا موسى، عليه السلام، حين قالوا:﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ﴾[الشعراء: ١٨]، فكانت فتنة لهم، من أجل ذلك ذكر فرعون دون الأمم، نظيرها فى المزمل:﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً ﴾[المزمل: ١٥].
قوله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ كما فتنا قريشاً بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما ولدا فى قومهما.
﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ١٧]، يعنى الخلق، كان يتجاوز ويصفح، يعنى موسى حين سأل ربه أن يكشف عن أهل مصر الجراد والقمل. فقال موسى لفرعون: ﴿ أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ﴾، يعنى أرسلوا معى بنى إسرائيل، يقول: وخل سبيلهم، فإنهم أحرار ولا تستعبدهم.
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ ﴾ من الله.
﴿ أَمِينٌ ﴾ [آية: ١٨] فيما بينى وبين ربكم.﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾، يعنى لا تعظموا على الله أن توحدوه.
﴿ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ١٩]، يعنى حجة بينة، كقوله: ألا تعلوا على الله، يقول: ألا تعظموا على الله.
﴿ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾، يعنى حجة بينة، وهى اليد والعصا، فكذبوه، فقال فرعون فى حم المؤمن:﴿ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ ﴾[غافر: ٢٦].
فاستعاذ موسى فقال: ﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾، يعنى فرعون وحده.
﴿ أَن تَرْجُمُونِ ﴾ [آية: ٢٠]، يعنى أن تقتلون.﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ ﴾ [آية: ٢١]، يقول: وإن لم تصدقونى يعنى فرعون وحده.
﴿ فَٱعْتَزِلُونِ ﴾، فدعا موسى ربه فى يونس، فقال:﴿ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾[يونس: ٨٦]، يعنى نجنى وبنى إسرائيل، وأرسل العذاب على أهل مصر. قوله تعالى: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾، يعنى أهل مصر.
﴿ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٢٢]، فلا يؤمنون، فاستجاب الله له. فاوحى الله تعالى إليه: ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾ [آية: ٢٣]، يقول: يتبعكم فرعون وقومه.﴿ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾، وذلك أن بنى إسرائيل لما قطعوا البحر، قالوا لموسى صلى الله عليه وسلم: فرق لنا البحر كما كان، فإننا نخشى أن يقطع فرعون وقومه آثارنا، فأراد موسى، عليه السلام، أن يفعل ذلك، كان الله تعالى أوحى إلى البحر أن يطيع موسى، عليه السلام، فقال الله لموسى: ﴿ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً ﴾، يعنى صفوفاً، ويقال: ساكناً.
﴿ إِنَّهُمْ ﴾، إن فرعون وقومه ﴿ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾ [آية: ٢٤]، فأغرقهم الله فى نهر مصر، وكان عرضه يومئذ فرسخين. فقال الله تعالى: ﴿ كَمْ تَرَكُواْ ﴾ من بعدهم، يعنى فرعون وقومه.
﴿ مِن جَنَّاتٍ ﴾، يعنى بساتين.
﴿ وَعُيُونٍ ﴾ [آية: ٢٥]، يعنى الأنهار الجارية.﴿ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ٢٦]، يعنى ومساكن حسان.﴿ وَنَعْمَةٍ ﴾ من العيش.
﴿ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ [آية: ٢٧]، يعنى أرض مصر معجبين.﴿ كَذَلِكَ ﴾، يقول: هكذا فعلنا بهم فى الخروج من مصر، ثم قال: ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا ﴾، يعنى أرض مصر.
﴿ قَوْماً آخَرِينَ ﴾ [آية: ٢٨]، يعنى بنى إسرائيل، فردهم الله إليها بعد الخروج مها. ثم قال: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ ﴾، وذلك أن المؤمن إذا مات بكى عليه معالم سجوده من الأرض، ومصعد عمله من السماء أربعين يوماً وليلة، ويبكيان على الأنبياء ثمانين يوماً وليلة، و لايبكيان على الكافر، فذلك قوله: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ ﴾؛ لأنهم لم يصلوا لله فى الأرض، ولا كانت لهم أعمال صالحة تصعد إلى السماء؛ لكفرهم.
﴿ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾ [آية: ٢٩]، لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى عذبوا بالغرق.


الصفحة التالية
Icon