﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ نزلت في ثلاثة نفر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة، وكانوا سبعة وعشرين رجلاً منهم عروة بن أسماء السلمي، والحكم بن كيسان المخزومي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وبشير الأنصاري، واستعمل عليهم المنذر من عمرو الأنصارى من النقباء، وكتب صحيفة ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو، فكان طريقهم على بني سليم وبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة. ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة، وهم حرب على المسلمين، أن أصحاب محمد مغرورون يختلفون من بين ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معونة، وهو ماء لبني عامر فسار القوم ليلاً، وأضل أربعة منهم بعيراً لهم منهم بشير الأنصاري، فأقاموا حتى أصبحوا، وسار المسلمون حتى أتوا على بنى عامر، وهم حول الماء، وعليهم عامر بن الطفيل العامري، فدعاهم المنذر بن عمرو إلى الإسلام، وقرأ عليهم حرام الصحيفة، فأبوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فلما عرفوا أنهم مقتولون، قالوا: اللهم، إنك تعلم إن رسولك أرسلنا، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك، فاقرئه منا السلام، فقد رضينا بحسن قضائك لنا. وحمل عامر بن الطفيل على حرام فطعنه فقتله، وقتل بقيتهم غير المنذر بن عمرو، فإنه كان دارعاً مقعناً، وعروة بن أسماء السلمي، فقتل المنذر بعد ذلك، فقالوا: لعروة: لو ئسنا لقتلناك، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا، وإن شئت فاذهب إلى غيرنا، فأنت آمن، قال عروة: إني عاهدت رسول الله صلى الله عليه سلم ألا أضع يدي في يد مشرك ولا أتخذه ولياً، وجعل يحمل عليهم، ويضربونه يعرض رماحهم ويناشدونه، ويأبى عليهم فرموه بالنبل حتى قتلوه، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بحالهم، فنعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقال: أرسل إخوانكم يقرأونكم السلام فاستغفروا لهم. ووجد الأربعة بعيرهم حين أصبحوا، فساروا فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني عامر، فقالت: أمن أصحاب محمد أنتم؟ فقالوا: نعم، رجاء أن تسلم، فقالت: إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء، النجاء النجاء، ألا ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم. فقال بشير الأنصاري: دونكم بعيركم أنظر لكم، فسار نحوهم فرأى إخوانهم مقتلين كأمثال البدن حول الماء، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم، وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال بشير: لكني لا أرجع والله، حتى أتغدى من غداء القوم، فاقرءوا على النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام ورحمة الله، ثم أتاهم فحمل عليهم، فناشدوه أن أرجع فأبى، وحمل عليهم، فقتل منهم، ثم قُتل بعد، فرجع الثلاثة يسلون بغيرهم سلا، فأتوا المدينة عند جنوح الليل، فلقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: من أنتما؟ قالا: من بني عامر، لأنهم كانوا قريباً من بنى عامر بالمدينة، ولا يشعرون بصنيع بني عامر. فقالوا: هذين من الذين قتلوا إخواننا، فقتلوهما وسلبوهما، ثم دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه، ثم قالوا: يا نبي الله، غشينا المدينة عند المساء فلقينا رجلين من بني عامر فقتلناهم، وهذا سلبهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بل هما من بني سليم من حلفائي بئسما صنعتما، هذا رجلان من بني سليم كانا جاءا في مر الموادعة "، فنزلت فيهم: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يقول: لا تعجلوا بقتل أحد، ولا بأمر حتى تستأمروا النبي صلى الله عليه وسلم فوعظهم في ذلك، وأقبل قوم السلميين، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبينا قتلا عندك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن صاحبكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا جميعاً " وأخبرهم الخبر، ولكننا سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة من الإبل، فجعل دية المشرك المعاهد، كدية الحرا لمسلم. قال: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ في المعاصي ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لمقالتكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١] بخلقه.


الصفحة التالية
Icon