قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ﴾ يقول: لا يستهزىء الرجل من أخيه، فيقول: إنك ردىء المعيشة، لئيم الحسب، واشباه ذلك مما ينقصه به من أمر دنياه، ولعله خير منه عند الله تعالى، فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، وقد استهزءوا من الموالى عمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وبلال المؤذن، وخباب بن الأرت، وسالم مولى أبي حذيفة، وعامر بن فهيرة، وغيرهم من الفقراء، قال: وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية المسلمين يوم اليمامة، فقالوا له: إنا نخشى عليك، فقال سالم: بئس حامل القرآن أنا إذًا، فقاتل حتى قتل. ثم قال: ﴿ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ﴾ عند الله ﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ﴾ نزلت في عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، استهزأت من قصر أم سلمة بنت أمية، ثم قال: ﴿ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ يقول: لا يطعن بعضكم على بعض، فإن ذلك معصية ﴿ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ ﴾" وذلك أن كعب بن مالك الأنصاري كان يكون على المقسم فكان بينه وبين عبدالله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام، فقال له: يا أعرابى، فقال له عبدالله: يا يهودي، ثم انطلق عبدالله فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لعلك قلت له: يا يهودي؟ قال: نعم قد قلت له ذلك إن لقبني أعرابياً، وأنا معاجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تدخلا عليّ حتى ينزل الله توبتكما "، فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر. فأنزل الله تعالى فيهما: ﴿ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ ﴾ يقول: لا يعير الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل الإسلام، ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه ﴿ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ ﴾ يعني بئس الاسم هذا، أن يسميه باسم الكفر بعد الإيمان، يعني بعدما تاب وآمن بالله تعالى ﴿ وَمَن لَّمْ يَتُبْ ﴾ من قوله ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ١١] فلما أنزل الله تعالى توبتهما وبين أمرهما تابا إلى الله تعالى من قولهما وحلا أنفسهما من الوثاق.


الصفحة التالية
Icon