ثم قال عز وجل: ﴿ وَكُنتُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ [آية: ٧] يعني أصنافاً ثلاثة، صنفان في الجنة، وصنف في النار، ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ ﴾ [آية: ٨] يقول: ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة في الجنة ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ ﴾ [آية: ٩] يقول: ما لأصحاب المشأمة من الشر في جهنم، ثم قال: ﴿ وَٱلسَّابِقُونَ ﴾ إلى الأنبياء منهم أبو بكر، وعلى، رضى الله عنهما، هم ﴿ ٱلسَّابِقُونَ ﴾ [آية: ١٠] إلى الإيمان بالله ورسوله من كل أمة، هم السابقون إلى الجنة. ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾ [آية: ١١] عند الله تعالى في الدرجات والفضائل ﴿ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ١٢]، ثم قال يعني السابقين ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٣] يعني جمعاً من الأولين، يعني سابق الأمم الخالية، وهم الذين عاينوا الأنبياء، عليهم السلام، فلم يشكوا فيهم طرفة عين، فهم السابقون، فلما نزلت: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ١٤] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أقل من سابق الأمم الخالية، ثم ذكر ما أعد الله للسابقين من الخير في جنات النعيم، فقال: ﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ﴾ [آية: ١٥] كوضن الخرز في السلك، يعني بالموضون السرر وتشبكها مشبكة أوساطها بقضبان الدر والياقوت والزبرجد ﴿ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا ﴾ يعني على السرر عليها الفرش ﴿ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [آية: ١٦] إذا زار بعضهم بعضاً ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ ﴾ يعني غلمان لا يكبرون ﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ [آية: ١٧] لا يموتون ﴿ بِـ ﴾ أيدي الغلمان ﴿ بِأَكْوَابٍ ﴾ يعني الأكواب العظام من فضة المدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم ﴿ وَأَبَارِيقَ ﴾ من فضة في صفاء القوارير. فذلك قوله في﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ ﴾[الإنسان: ١]﴿ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ ﴾[الإنسان: ١٥، ١٦].
ثم قال: ﴿ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ [آية: ١٨] يعني من خمر جار، وكل معين في القرآن، فهو جار غير الذي في﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ ﴾[الملك: ١] يعني به زمزم،﴿ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ ﴾[الملك: ٣٠] يعني ظاهراً تناله الدلاء، وكل شىء في القرآن كأس، فهو الخمر ﴿ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ فتوجع رءوسهم ﴿ وَلاَ يُنزِفُونَ ﴾ [آية: ١٩] بها ﴿ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٠] يعني يختارون من ألوان الفاكهة ﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ ﴾ يعني من لحم الطير ﴿ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [آية: ٢١] إن شاءوا شواء، وإن شاءوا قديداً كل طير ينعت نفسه لولى الله تعالى ﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾ [آية: ٢٢] يعني البيضاء العيناء حسان الأعين ﴿ كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ ﴾ [آية: ٢٣] فشبههم في الكن كأمثال اللؤلؤ المكنون في الصدف المطبق عليه، لم تمسه الأيدي، ولم تره الأعين، ولم يخطر على قلب بشر، كأحسن ما يكون.


الصفحة التالية
Icon