ثم رجع في التقديم، فقال: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ ﴾ يقول: إنا ابتليناهم يعني أهل ممكة بالجوع ﴿ كَمَا بَلَوْنَآ ﴾ يقول: كما ابتلينا ﴿ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ﴾ بالجوع حين هلكت جنتهم، كان فيها نخل وزرع وأعناب، ورثوها عن آبائهم، واسم الجنة الصريم، وهذا مثل ضربه الله تعالى لأهل مكة ليعتبروا عن دينهم، وكانت جنتهم دون صنعاء اليمن بفرسخين، وكانوا مسلمين، وهذا بعد عيسى ابن مريم، عليه السلام، كان آباؤهم صالحين، يجعلون للمساكين من الثمار والزرع والنخل ما أخطأ الرجل، فلم يره حين يصرمه، وماأخطأ المنجل، وما ذرته الريح، وما بقى في الأرض من الطعام حين يرفع، وكان هذا شيئاً كثيراً، فقال القوم: كثرت العيال، وهذا طعام كثير، أغدوا سراً جنتكم فاصرموها، ولا تؤذنوا المساكين، كان آباؤهم يخبرون المساكين فيجتعمون عند صرام جنتهم، وعند الحصاد.﴿ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [آية: ١٧] ليصرمنها إذا أصبحوا ﴿ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ ﴾ [آية: ١٨] فيقولون: إن شاء الله، فسمع الله تعالى قولهم فبعث ناراً من السماء في الليل على جنتهم فأحرقتها حتى صارت سوداء، فذلك قوله: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا ﴾ يعني على الجنة ﴿ طَآئِفٌ ﴾ يعني عذاب ﴿ مِّن رَّبِّكَ ﴾ يا محمد ليلاً ﴿ وَهُمْ نَآئِمُونَ ﴾ [آية: ١٩] ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ ﴾ [آية: ٢٠] أصبحت يعني الجنة سوداء مثل الليل ﴿ فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ ﴾ [آية: ٢١] يقول: لما أصبحوا قال بعضهم لبعض: ﴿ أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ﴾ [آية: ٢٢] الجنة، يقول: الحرث والثمار والزرع، ولا يعلمون أنها احترقت ﴿ فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ [آية: ٢٣] ﴿ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾ [آية: ٢٥] على حدة في أنفسهم قادرين على جنتهم ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا ﴾ ليس فيها شىء ظنوا أنهم أخطأوا الطريق ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ ﴾ [آية: ٢٦] عنها. ثم أنهم عرفوا الأعلام فعلموا أنها عقوبة. فقالو: ﴿ بَلْ نَحْنُ ﴾ يعني ولكن نحن ﴿ مَحْرُومُونَ ﴾ [آية: ٢٧] يقول: حرمنا خير هذه الجنة.