﴿ وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ ﴾ يعني العادلين بالله ﴿ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ [آية: ١٥] يعني وقوداً فهذا كله قوله مؤمنىالجن التسعة، ثم جع في التقديم إلى كفار مكة فقال: ﴿ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ ﴾ يعني طريقة الهدى ﴿ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً ﴾ [آية: ١٦] يعني كثيراً من السماء، وهو المطر، بعد ما كان رفع عنهم المطر سبع سنين، فيكثر خيرهم ﴿ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ يقول لكي نبتليهم فيه بالخطب والخير، كقوله في سورة الأعراف:﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنوا ﴾يقول: صدقوا﴿ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[آية: ٩٦] يعني المطر والأرض، يعني به النبات. ثم قال: ﴿ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ ﴾ القرآن ﴿ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾ [آية: ١٧] يعني شدة العذاب الذي لا راحة له فيه ﴿ وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾ يعني الكنائس والبيع والمساجد لله ﴿ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً ﴾ [آية: ١٨] وذلك أن اليهود والنصارى يشركون في صلاتهم في البيع والكنائس، فأمر الله المؤمنين أن يوحدوه. ثم رجع إلى مؤمني الجن التسعة فقال: ﴿ وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ يَدْعُوهُ ﴾ يعني يعبده في بطن نخلة بين مكة والطائف.
﴿ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [آية: ١٩] يقول: كادوا أن يرتكبوه حرصاً على حفظ ما سمعوا من القرآن، تعجباً، وهم الجن التسعة، ثم انقطع الكلام، قال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي ﴾ وذلك أن كفار قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم بمكة: إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع مثله قط، وقد عاديت الناس كلهم، فأرجع عن هذا الأمر فنحن تجيرك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ﴾ [آية: ٢٠] معه ﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد ﴿ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً ﴾ [آية: ٢١] يقول: لا أقدر على أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق إليكم رشداً، والله يملك ذلك كله ﴿ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ ﴾ يعني يمنعنى من الله ﴿ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ [آية: ٢٢] يعني ملجأ ولا حرزاً، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ ﴾ فذلك الذي يجيرني من عذابه، التبليغ لا ستعجالهم بالعذاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إني لا أملك لكم ضرً ولا رشدا "﴿ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في التوحيد فلا يؤمن ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ﴾ [آية: ٢٣] يدخله ناراً خالداً فيها، يعني معموا فيها لا يموتون، ثم انقطع الكلام، فقال: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ ﴾ من عذاب الآخرة، وما يوعدون من العذاب في الدنيا يعني القتل يبدو ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ يعني كفار مكة عند نزول العذاب ببدر، نظيرها في سورة مريم: ﴿ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً ﴾ كفار مكة أو المؤمنون ﴿ وَ ﴾ من ﴿ وَأَقَلُّ عَدَداً ﴾ [آية: ٢٤] يعني جنداً أيقرب الله العذاب أم يؤخره، لما سمعوا الذكر يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم في العذاب يوم بدر، قام النضر بن الحارث وغيره فقالوا: يا محمد، متى هذا الذي تعدنا؟ تكذيبا به واستهزاءً، يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأنبياء، وفي هذه السورة ﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ ﴾ يعني ما أدري ﴿ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ من العذاب في الدنيا يعني القتل ببدر ﴿ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً ﴾ [آية: ٢٥] يعني أجلا بعيداً، يقول: ما أدرى أيقرب الله العذاب أو يؤخره، يعني بالأمد الأجل، القتل ببدر ﴿ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ ﴾ يعني غيب نزول العذاب ﴿ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً ﴾ [آية: ٢٦] من الناس، ثم استثنى فقال: ﴿ إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ﴾ يعني رسل ربي فإنه يظهرهم على العذاب متى يكون، ومع جبريل صلى الله عليه وسلم أعواناً من الملائكة يحفظون الأنبياء حتى يفرغ جبريل من الوحي، قوله: ﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ ﴾ يعني يجعل ﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ [آية: ٢٧] قال: كان إذا بعث الله عز وجل نبياً أتاه إبليس على صورة جبريل وبعث الله تعالى من بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلفه رصداً من الملائكة فيسمع الشيطان حتى يفرغ جبريل، عليه السلام، من الوحى إلى صلى الله عليه وسلم فإذا جاء إبليس أخبرته به الملائكة وقالوا: هذا إبليس، وإذا أتاه جبريل ﴿ لِّيَعْلَمَ ﴾ الرسول ﴿ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ ﴾ يقول ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء قبله قد حفظت، وبلغت قومهم الرسالة، كما حفظ محمد صلى الله عليه وسلم وبلغ الرسالة، ثم قال: ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ﴾ يعني بما عندهم ﴿ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ﴾ [آية: ٢٨] يعني نزول العذاب بهم والله أعلم.