﴿ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ ﴾ [آية: ١] يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كفار مكة آذوه، فانطلق إلى جبل حراء ليتوارى عنهم، فبينما هو يمشى، إذا سمع منادياً يقول: يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً وإلى السماء، فلم ير شيئاً، فمضى على وجهه، فنودي الثانية: يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً، ومن خلفه، فلم ير شيئاً إلا السماء، ففزع، وقال: لعل هذا شيطان يدعوني، فمضى على وجهه، فنودى في قفاه: يا محمد، يا محمد، فنظر خلفه، وعن يمينه، ثم نظر إلى السماء، فرأى مثل السرير بين السماء والأرض، وعليه دربوكة قد غطت الأفق، وعليه جبريل، عليه السلام، مثل النور المتوقد يتلألأ حتى كاد أن يغشى البصر، ففزع فزعاً شديداً، ثم وقع مغشياً عليه ولبث ساعة. ثم أفاق يمشى ربه رعدة شديدة، ورجلاه تصطلكان راجعاً حتى دخل على خديجة، فدعا بماء فصبه عليه، فقال: درقونى، فدثروه بقطيفة حتى استدفأ، فلما أفاق، قال: لقد أشفقت على نفسى، قالت له خديجة: أبشر فوالله لا يسوؤك الله أبداً لأنك تصدق الحديث، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الخير. فأتاه جبريل، عليه السلام، وهو متقنع بالقطيفة، فقال: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ ﴾ بقطيفة، المتقنع فيها ﴿ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾ [آية: ٢] كفار مكة العذاب أن لم يوحدوا الله تعالى ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [آية: ٣] يعني فعظم، ولا تعظمن كفار مكة في نفسك، فقام من مضجعه ذلك، فقال: الله أكبر كبيراً، فكبرت خديجة، وخرجت وعلمت أنه قد أوحى إليه ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [آية: ٤] يقول: طهر بالتوبة من المعاصي، وكانت العرب تقول للرجل: إذا أذنب أنه دنس الثياب، وإذا توفى، قالوا: إنه لطاهر الثياب ﴿ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ ﴾ [آية: ٥] يعني الأوثان، يساف ونائلة وهما صنمان عند البيت يمسح وجوههما من مر بهما من كفار مكة، فأمر الله تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتنبهما، يعني بالرجز أوثان لا تتحرك بمنزلة الإبل، يعني داء يأخذها ذلك الداء، فلا تتحرك من وجع الرجز فشبه الآلهة بها. ثم قال: ﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ [آية: ٦] يقول: ولا تعط عطية لتعطى أكثر من عطيتك ﴿ وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ ﴾ [آية: ٧] يعزي نبيه صلى الله عليه سلم ليصبر على الأذى والتكذيب من كفار مكة.


الصفحة التالية
Icon