قوله: ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ ﴾ يعني قد أتى على الإنسان ﴿ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴾ [آية: ١] يعني به آدم لا يذكر، وذلك أن الله خلق السماوات وأهلها، والأرض وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم، عليه السلام، بواحد وعشرين ألف سنة، وهي ثلاثة أسباع، فكانوا لا يعرفون آدم، ولا يذكرونه، وكان سكان الأرض من الجن زماناً ودهراً، ثم إنهم عصوا الله تعالى وضر بعضهم بعضاً، فأرسل الله عليهم قبيلة من الملائكة، يقال لهم: الجن وإبليس فيهم، وكان اسم إبليس الحارث، أرسلهم الله على الجن، فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب، وهو جبل تغيب الشمس خلفه، وفى أصله، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة وماىء قائم، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض وعبدوه زماناً، فلما أراد الله تعالى أن يخلق آدم، صلى الله عليه، أوحى إليهم أنى جاعل في الأرض خليفة يعبدوننى ويطهرون الأرض، فردوا إلى الله قوله، وإبليس منهم: فقالوا: ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها، يعني من يعصي فيها، ويسفك الدماء، كفعل الجن، لا أنهم علموا الغيب، ولكن قالوا ما عرفوا عن الجن الذين عصوا ربهم، وقالوا: نحن نسبح بحمدك ونقدس لك، يعني ونطهر لك الأرض، فأوحى الله إليهم أني أعلم ما لا تعلمون، ثم إن الله تبارك وتعالى، قال: يا جبريل ائتنى بطين، فهبط جبريل، عليه السلام، إلى الأرض فأخذ تراباً من تحت الكعبة وهو أديم الأرض وصب عليه الماء، فتركه زماناً، حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر، وأسفلها حمأة. حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل بن سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين، وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال "، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي، ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر آدم، عليه السلام، وخلقه، فقال مالك بن الضيف: إنما نجد في التوراة أن الله خلق آدم حين خلق السماوات والأرض، فأنزل الله عز وجل يكذب مالك بن الضيف اليهودى: فقال: ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ ﴾ يعني واحداً وعشرين ألف سنة، وهي ثلاثة أسباع، بعد خلق السموات والأرض ﴿ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴾ يذكر، ثم خلق ذريته، فقال: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ ﴾ يعني ماء مختلطاً، وهوماء الرجل، وماء المرأة، فإذا اختلطا، فذلك المشج، فماء الرجل غليظ أبيض، فمنه العصب، والعظم، والقوة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فمنها اللحم، والدم، والشعر، والظفر، فيختلطان فذلك الأمشاج، فيها تقديم، يقول: جعلناه سمعياً بصيراً لنبتليه. ثم قال: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ ﴾ بعد النطفة ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [آية: ٢] لنبتليه، أي جعلناه نطفة، علقة، مضغة، ثم صار إنساناً بعد ماء ودم ﴿ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ من بعد ما كان نطفة ميتة، ثم قال: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ ﴾ يعني سبيل الضلالة والهدى ﴿ إِمَّا شَاكِراً ﴾ أن يكون ﴿ شَاكِراً ﴾ يعني موحداً في حسن خلقه لله تعالى ﴿ وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ [آية: ٣] فلا يوحده، وأيضاً إما شاكراً لله في حسن خلقه وإما كَفُوراً، يجعل هذه النعم لغير الله، ثم ذكر مستقر من أحسن من خلقه، ثم كفر به وعبد غيره.


الصفحة التالية
Icon