﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ يعني حتى يحكم الله بينك وبين أهل مكة، ولا تشتم إذا شتمت، ولا تغتظ إذا ضربت ﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ [آية: ٢٤] وهو الوليد بن المغيرة ابن هشام المخزومي، قال: أو كفوراً، أو هاهنا صلة، والكفور: هو عتبة بن ربيعة، وذلك أنهم خلوا به في دار الندوة، وفيهم عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي، فقالوا: يا محمد، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك؟ فقال الوليد بن المغيرة: إن طلبت مالاً أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه، وقال أبو البخترى بن هشام: واللت والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتي، فإنها أحسن النساء، وأجملهن جمالاً، وأفصحهن قولاً، وأبلغهن علماً، وقد علمت العزى بذلك، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلم يجبهم شيئاً، فقال ابن مسعود الثقفي: ما لك لا تجيبنا إن كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وقبض ثوبه وقام عنهم، وقال: أقوال وأضعف أعمال، فأنزل الله عز وجل ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً ﴾ فيها تقديم وتأخير ﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ يعني الوليد بن المغيرة وأبا البحترى بن هشام. وقال في قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفى:﴿ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾[الجن: ٢٢] يعني لا يؤمننى من عذابه أحد، ولن أجد من دونه مهرباً،﴿ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ ﴾[الجن: ٢٣].
وأما قوله: ﴿ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [آية: ٢٥] يعني إذا صليت صلاة الغداة وهو بكرة، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو، وأصيلا إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب، فكبره واشهد أن لا إله إلا هو، فهو براءة من الشرك، فذلك قوله: ﴿ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ ﴾ بشهادة أن لا إله إلا هو، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الغداة، ثم يكبر ثلاثاً، وإذا صلى المغرب كبر ثلاثا ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ ﴾ يعني صلاة العشاء الآخرة يقول: صل له قبل أن تنام ﴿ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾ [آية: ٢٦] يعني وصل له بالليل، وكان قيام الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم، فتهجد به نافلة لك. ثم رجع إلى قوله عز وجل الأول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾، فقال: ﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾ الذين يأمرونك بالكفر ﴿ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ ﴾ يعني الدنيا، لا يهمهم شىء إلا أمر الدنيا الذهب والفضة والبناء والثياب والدواب ﴿ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ ﴾ يعني أمامهم وكل شىء في القرآن وراءهم، يعني أمامهم ﴿ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾ [آية: ٢٧] لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم، وإذا جازوا الصراط فهي مقدار ثلاث مائة سنة وأربعين سنة، فأما المؤمن، فإنه ييسر الله خروجه من قبره، وإذا حشره، وإذا حاسبه، وإذا جاز الصراط، فذلك قوله:﴿ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾[المدثر: ٩، ١٠].
وأما قوله: ﴿ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ ﴾ في بطون أمهاتهم وهم نطفة ﴿ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ﴾ حين صاروا شباناً يعني أسرة الشباب، وما خلق الله شيئاً أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن، وقال: ﴿ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ ﴾ ذلك السواد والنور بالبياض والضعف ﴿ تَبْدِيلاً ﴾ [آية: ٢٨] من السواد حتى لا يبقى شىء منه إلا البياض، فعلم الله عز وجل، فقال: ﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ ﴾ إن هذا السواد والحسن والقبح ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ يعني عبرة ﴿ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٢٩] يعني فمن شاء اتخذ في هذه التذكرة فيعتبر، فيشكر الله ويوحده، ويتخذ طريقاً إلى الجنة، ثم رد المشيئة إليه، فقال: ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ ﴾ أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلا ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾ فهو عليكم عمل الجنة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً ﴾ يعني بأهل الجنة ﴿ حَكِيماً ﴾ [آية: ٣٠] إذ حكم على الشقاء النار. ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه، فقال: ﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾ يعني في جنته ﴿ وَٱلظَّالِمِينَ ﴾ يعني المشركين ﴿ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [آية: ٣١] يعني وجعياً.


الصفحة التالية
Icon