﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ١] ﴿ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٢] استفهما للنبي صلى الله عليه وسلم عن أى شىء يتساءلون نزلت في أبي لبابة وأصحابه وذلك أن كفار مكة كانوا يجتمعون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمعون حديثه إذا حدثهم خالفوا قوله، واستهزءوا منه وسخروا، فأنزل الله تعالى:﴿ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ﴾يا محمد﴿ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾[النساء: ١٤٠].
" فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث المؤمنين فإذا رأى رجلا من المشركين كف عن الحديث حتى يذهب، ثم أقبلوا بجماعتهم فقالوا: يا محمد، أبخلت بما كنت تحدثنا؟ لو أنك حدثتنا عن القرون الأولى فإن حديثك عجب، قال: لا، والله لا أحدثكم بعد يومى هذا وربى قد نهانى عنه "فأنزل الله تعالى ﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ يعني القرآن كقوله:﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾[ص: ٦٧] لأنه كلام الله تعالى، قال: ﴿ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ [آية: ٣] يقول: لم يسألون عن القرآن وهم يخالفونه، ولا يؤمنون به؟ فصدق بعضهم به، وكفر بعضهم به، فاختلفوا فيه، ثم خوفهم الوعيد، فقال: ﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤] إذا قتلوا ببدر وتوفتهم الملائكة ظالمى أنفسهم، يضربون وجوههم وأدبارهم، ثم قال: ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥] وعيد على أثر وعيد نزلت في حيين من أحياء العرب يعني عبد مناف ابن قصي، وبني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، نظيرها في﴿ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ ﴾[التكاثر: ١] ثم ذكر صنعه ليعتبروا إذا بعثوا يوم القيامة وقد كذبوا بالقيامة والبعث فعظم الرب نفسه تبارك وتعالى فقال: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً ﴾ [آية: ٦] يعني فراشاً وأيضاً بساطاً مسيرة خمسمائة عام ﴿ وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾ [آية: ٧] على الأرض لئلا تزول بأهلها فاستقرت وخلق الجبال بعد خلق الأرض. ثم قال: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ [آية: ٨] يعني أصنافاً ذكوراً وإناثاً، سوداً وبيضاً وحمراً وأدماً، ولغات شتى، فذلك قوله: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ فهذا كله عظمته، ثم ذكر نعمته فقال ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾ [آية: ٩] يقول: إذا دخل الليل أدرككم النوم فتستريحون، ولولا النوم ما استرحتم أبداً من الحرص وطلب المعيشة، فذلك قوله: ﴿ سُبَاتاً ﴾ لأنه يسبت والنائم مسبوت كأنه ميت لا يعقل ﴿ وَجَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِبَاساً ﴾ [آية: ١٠] يعني سكناً، كقوله:﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ ﴾[البقرة: ١٨٧] يعني سكناً لكم فألبسكم ظلمته على خير وشر كثير، ثم قال: ﴿ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً ﴾ [آية: ١١] لكى تنتشروا لمعيشتكم فهذان نعتمان من نعم الله عليكم، ثم ذكر ملكه وجبروته وارتفاعه فقال: ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾ [آية: ١٢] يعني بالسبع السموات وغلظ كل سماء مسيرة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك نظير في المؤمنين:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ ﴾[الآية: ١٧] فذلك قوله: ﴿ شِدَاداً ﴾ قال: وهى فوقكم يا بنى آدم فاحذروا، لا تخر عليكم إن عصيتم. ثم قال: ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴾ [آية: ١٣] يعني الشمس وحرها مضيئا، يقول: جعل فيها نوراً وحراً، ثم ذكر نعمه فقال: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ [آية: ١٤] يعني مطراً كثيراً منصبا يتبع بعضه بعضا، وذلك أن الله عز وجل يرسل الرياح فتأخذ الماء من سماء الدنيا من بحر الأرزاق، ولا تقوم الساعة ما دام به قطرة ماء، فذلك قوله:﴿ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾[الذاريات: ٢٢] قال تجىء الريح فتثير سحابا فتلحقه، ثم تمطر وتخرج الريح والمطر جميعاً من خلل السحاب، قال: ﴿ لِّنُخْرِجَ بِهِ ﴾ يعني بالمطر ﴿ حَبّاً ﴾ يعني بالحبوب كل شىء يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم ونحوها من الحبوب، قال: ﴿ وَنَبَاتاً ﴾ [آية: ١٥] يعني كل شىء ينبت في الجهال واصحارى من الشجر والكلأ فذلك النبات، وهي تنبت عاماً بعام من قبل نفسها ﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾ [آية: ١٦] يعني وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض من كثرة الشجر.