ثم ذكر المؤمنين فقال: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ﴾ [آية: ٣١] يعني النجاة من ذلك العذاب الذي سماه للطاغين قال: ﴿ حَدَآئِقَ ﴾ يعني البساتين قد حدقت حواليها الحيطان ﴿ وَأَعْنَاباً ﴾ [آية: ٣٢] يعني الفواكة ﴿ وَكَوَاعِبَ ﴾ يعني النساء الكاعبة يعني عذارى يكسن في الجنة للرجال وقسموا لهن ﴿ أَتْرَاباً ﴾ [آية: ٣٣] يعني مستويات على ميلاد واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة، وذلك أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة قام ملك على قصر من ياقوت شرفه كاللؤلؤ المكنون فينادى بصوت رفيع يسمع أهل الجنة أولهم وآخرهم وأسفلهم وأعلاهم، فيقول أين الذين كانوا نزهوا أسماعهم عن قينات الدنيا ومعازفها، قال ويأمر الله عز وجل جوارى فيرفعن أصواتهن جميعاً. ثم قال: ﴿ وَكَأْساً دِهَاقاً ﴾ [آية: ٣٤] يعني وشراباً كثيراً ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا ﴾ إذا شربوا ﴿ لَغْواً ﴾ يعني حلف الباطل ﴿ وَلاَ كِذَّاباً ﴾ [آية: ٣٥] يقول: ولا يكذبون على شرابهم كما يكذب أهل الدنيا إذا شربوا، ثم جمع أهل النار، وأهل الجنة، فقال: ﴿ جَزَآءً ﴾ يعني ثوابا ﴿ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً ﴾ [آية: ٣٦] يعني يحاسب المسيئين فيجازيهم بالنار، ويحاسب المؤمنين فيجازيهم بالجنة، فأعطى هؤلاء وهؤلاء جزاءهم ولم يظلم هؤلاء المعذبين شيئاً، فذلك قوله: ﴿ عَطَآءً حِسَاباً ﴾ نظيرها في الشعراء:﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي ﴾[الآية: ١١٣] يقول: إن جزاؤهم إلا على ربي، ثم عظم الرب تعالى نفسه ودل على صنعه فقال: ﴿ رَّبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ يعني الشمس والقمر، والنجوم، والسحاب، والرياح، قال: هو ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ الرحيم، وهم ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ﴾ [آية: ٣٧] يعني المناجاة، إذا استوى للحساب ثم أخبرهم متى يكون ذلك؟ فقال: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ ﴾ وهو الملك الذي قال الله عز وجل عنه:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ﴾[الإسراء: ٨٥] وجهه وجه آدم، عليه السلام، ونصفه من نار، ونصفه من ثلج، فيسبح بحمد ربه ويقول: رب كما ألفت بين هذه النار وهذا الثلج، تذيب هذه النار هذا الثلج، ولا يطفىء هذا الثلج هذه النار، فكذلك ألف بين عبادك المؤمنين فاختصه الله تعالى من بين الخلق من عظمه، فقال: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ ﴾ ثم انقطع الكلام، فقال: ﴿ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ ﴾ من الخوف أربعين عاماً.
﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ بالكلام ﴿ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ [آية: ٣٨] يعني شهادة ألا إله إلا الله، فذلك الصواب ﴿ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ ﴾ لأن العرب قالوا: إن القيامة باطل، فذلك قوله: ﴿ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ ﴾ ﴿ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً ﴾ [آية: ٣٩] يعني منزلة يعني الأعمال الصالحة، ثم خوفهم أيضاً العذاب في الدنيا فقال: ﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ يعني في الدنيا القتل ببدر، وهلاك الأمم الخالية، وإنما قال قريباً لأنها أقرب من الآخرة، ثم رجع إلى القول الأول حين قال: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً ﴾ فقال: ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ يعني الإنسان الخاطىء يرى عمله أسود مثل الجبل ﴿ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ﴾ [آية: ٤٠] وذلك أن الله عز وجل يجمع الوحوش والسباع يوم القيامة فيقتص لبعضهم من بعض حقوقهم، حتى ليأخذ للجماعة من القرناء بحقها، ثم يقول لهم: كونوا تراباً فيتمنى الكافر لو كان خنزيراً في الدنيا ثم صار تراباً كما كانت الوحوش والسباع ثم صارت تراباً.


الصفحة التالية
Icon