وأما قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ ﴾ [آية: ٦] وهي النفخة الأولى وإنما سميت الراجفة لأنها تميت الخلق كلهم، كقوله:﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ ﴾[الأعراف: ٧٨] يعني الموت، من فوق سبع سموات من عند العرش فيموت الخلق كلهم.﴿ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ ﴾ [آية: ٧] وهي النفخة الثانية أردفت النفخة الأولى بينهما أربعون سنة، أسمعت الخلائق وهي عند صخرة بيت المقدس، وذلك أنه ينزل إسرافيل وترتفع أرواح الكفار من تحت الأرض السفلى إلى واد يقال له: برهوت، وهو بحضرموت، وهو كأشر وادٍ في الأرض، وتنزل أرواح المؤمنين من فوق سبع سموات إلى واد يقال له: الجابية، وهو بالشام، وهو خير واد في الأرض فيأخذ هؤلاء وهؤلاء جميعها إسرافيل فيجعلهم في القرن وهو الصور فينفخ فيه، فيقول أيتها العظام البالية، وأيتها العروق المنقطعة، وأيتها اللحوم المتمزقة، اخرجوا من قبوركم لتجازوا بأعمالكم، ثم قال: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴾ [آية: ٨] يعني خائفة ﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [آية: ٩] يعني ذليلة مما رأت عند معاينة النار، فخضعت كقوله: ﴿ خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ ﴾ مما ترى من العجائب ومما ترى من أمر الآخرة. ثم أخبر الله عز وجل كفار مكة فقال: ﴿ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ ﴾ [آية: ١٠] تعجباً منها، فيها تقديم، يقولون إنا لراجعون على أقدامنا إلى الحياة بعد الموت، هذا قول كفار مكة.
﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾ [آية: ١١] يعني بالية، أى: أنا لا نبعث خلقاً كما كنا ﴿ قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ [آية: ١٢] قالوا إن بعثنا، بعد الموت إنا إذا لخاسرون يعني هالكون، ثم قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [آية: ١٣] يقول: فإنما هي صيحة واحدة من إسرافيل، عليه السلام، فيسمعونها وهم في بطن الأرض أمواتاً ولا ثنيها ﴿ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ ﴾ [آية: ١٤] يعني الأرض الجديدة التي تبسط على هذه الأرض فيسلها الله عز وجل من تحتها كما يسل الثوب الخلق البالى، فذلك قوله: ﴿ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ ﴾ يقول بالأرض الأخرى واسمها الساهرة.


الصفحة التالية
Icon