ثم أقسم الرب تعالى، فقال: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ ﴾ يعني أقسم ﴿ بِٱلْخُنَّسِ ﴾ [آية: ١٥] وهي خمس من الكواكب، بهرام، والزهرة، وزحل، والبرجهس، يعني المشترى، وعطارد والخنس التي خنست بالنهار فلا ترى، وظهرت بالليل فترى، قال: ﴿ ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ ﴾ [آية: ١٦] لأنهن يجرين في السماء الكنس، يعني تتوارى كما تتوارى الظباء في كناسهن ﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [آية: ١٧] يعني إذا أظلم ﴿ وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [آية: ١٨] يعني إذا أضاء لونه فأقسم الله تعالى بهؤلاء الآيات أن هذا القرآن ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ١٩] على الله، يعني جبريل، عليه السلام، هو علم محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾ يعني ذا بطش، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث، قال إبليس: من لهذا النبي الذي خرج من أرض تهامة؟ فقال شيطان، واسمه الأبيض، هو صاحب الأنبياء: أنا له، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده في بيت الصفا، فلما انصرف قام الأبيض في صورة جبريل صلى الله عليه وسلم ليوحى إليه، فنزل جبريل، عليه السلام، فقام بينه وبين النبي صلى الله عليه سلم فدفعه جبريل صلى الله عليه وسلم بيده دفعة هينة فوقع من مكة بأقصى الهند من فرقه. ﴿ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ [آية: ٢٠] جبريل، عليه السلام، يقول: وهو وجيه عند الله عز وجل. ثم قال: ﴿ مُّطَاعٍ ثَمَّ ﴾ يعني هنالك في السماوات، كقوله: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ﴾ يعني قربنا ﴿ ثَمَّ ﴾ يعني هنالك، وكقوله:﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ ﴾[الإنسان: ٢٠] يعني هنالك، وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به إلى السماوات رأى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام، فصافحوه وأداره جبريل على الملائكة في السماوات فاستبشروا به، وصافحوه، ورأى مالكاً خازن النار، فلم يكلمه ولم يسلم عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل، عليه السلام: " من هذا "؟ قال: هذا مالك خازن جهنم لم يتلكم قط، وهؤلاء النفر معه، فخزنة جهنم نزعت منهم الرأفة والرحمة، وألقى عليهم العبوس، والغضب على أهل جهنم، أما إنهم لو كلموا أحداً منذ خلقوا لكلموك لكرامتك على الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قل له، فليكشف عن باب منها "، فكشف عن مثل منخر الثور منها، فتخلخلت فجاءت بأمر عظيم، حسبت أنها الساعة حتى أهيل منها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لجبريل: " مره فليردها "، فأمره جبريل، صلى الله عليه، فأطاعه مالك، عليه السلام، فردها "، فذلك قوله: ﴿ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [آية: ٢١] يسمى أميناً لما استودعه عز وجل من أمره في خلقه.﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [آية: ٢٢] يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كفار مكة قالوا: إن محمداً مجنون، وإنما تقوله من تلقاء نفسه.
﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ ﴾ [آية: ٢٣] يعني من قبل المطلع، وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل، عليه السلام، في صورته من قبل المشرق بجبال مكة، قد ملأ الأفق رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء، وجناح له من قبل المشرق، وجناح له من قبل المغرب، في صورة البشر، فقال: أنا جبريل، وجعل يمسح عن وجهه، ويقول: أنا أخوك أنا جبريل، حتى أفاق، فقال المؤمنون: ما رأيناك منذ بعثت أحسن منك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل، عليه السلام، في صورته، فعلقني هذا من حسنه ".﴿ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ [آية: ٢٤] بظنين، يعني وما محمد صلى الله عليه وسلم على القرآن بمتهم، ومن قرأ بضنين يعني ببخيل.
﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾ [آية: ٢٥] يعني ملعون، وذلك أن كفار مكة، قالوا: إنما يجىء به الرى، وهو الشيطان، واسمه الرى فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فيها تقديم، يقول لكفار مكة: ﴿ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾ [آية: ٢٦] يعني أين تعجلون عن كتابي وأمري لقولهم إن محمداً مجنون ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٧] يعني ما في القرآن إلا تذكرة وتفكر للعالمين ﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾ [آية: ٢٨] على الحق، ثم يرد المشيئة إلى نفسه، فقال: ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ ﴾ الاستقامة ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٩].
قوله: ﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ أظلم عن كل دابة، الخنافس، والحيات، والعقارب، والسباع، والوحوش.