ثم أوعدهم، فقال: ﴿ كَلاَّ ﴾ ثم انقطع الكلام، ثم رجع إلى قوله فى: ويل للمطففين، فقال: ﴿ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ [آية: ١٨] لفي ساق العرش، يعني أعمال المؤمنين وحسناتهم ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴾ [آية: ١٩] تعظيماً لها، فقال: ﴿ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾ [آية: ٢٠] يعني كتاب من كتب الخير مختوم ختم بالرحمة مكتوب عند الله عز وجل ﴿ يَشْهَدُهُ ﴾ يشهد ذلك ﴿ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾ [آية: ٢١] وهم الملائكة من كل سماء سعبة أملاك من مقربى أهل كل سماء يشيعون ذلك العمل الذي يرضاه الله حتى ثبوته عند الله جل وعز، ثم يرجع كل ملك إلى مكانه. ثم ذكر الأبرار، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [آية: ٢٢] يعني نعيم الجنة، ثم بين ذلك النعيم، فقال: ﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴾ [آية: ٢٣] إلى ذلك النعيم وهي السرر والحجال، فإذا كان سريراً، ولم يكن عليه حجلة فهو السرير حينئذ، وإذا كانت الحجلة، ولم يكن فيها سرير فهى الحجلة، فإذا اجتمع السرير والحجلة، فهى الأرائك يعني هؤلاء جلوس ينظرون إلى ذلك النعيم. يقول: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ٢٤] لأنه يعلق في وجهه النور من الفرح والنعيم، فلا يخفى عليك إذا نظرت إليهم فرحون، ثم قال: ﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ﴾ [آية: ٢٥] وهو الخمر الأبيض إذا أنتهى طيبه ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ إذا شرب وفرغ ونزع الإناء من فيه وجد طعم المسك ﴿ وَفِي ذَلِكَ ﴾ يعني فليتنازع المتنازعون، وفيه فليرغب الراغبون. ثم قال: ﴿ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [آية: ٢٦] يعني فليتنازع المتنازعون، وفيه فليرغب الراغبون، ثم قال: ﴿ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً ﴾ من جنة عدن، فتنصب عليم أنصباباً، فذلك قوله: ﴿ يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾ [آية: ٢٨] يقول: يشربون به الخمر من ذلك الماء، وهم أهل جنة عدن، وهي أربعة جنان، وهي قصبة الجنة، ماء تسنيم يخرج من جنة عدن، والكوثر، والسلسبيل، ثم انقطع الكلام، قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ ﴾ [آية: ٢٩] نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وأصحابه، وذلك أنهم كانوا يمرون كل يوم على المنافقين واليهود وهم ذاهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأوهم سخروا منهم وتغامزوا في أمرهم، وضحكوا منهم، وإذا رجعوا إلى أصحابهم، ضحكوا منهم، وذلك أن عبدالله بن نتيل لقى بدعة بن الأقرع، فقال: أشعرت أنا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا من؟ قال: كيف؟ قال: لأنه يمشى بين أيديهم، وهم خلفه لا يجاوزنه، كأنه هو الذي يدلهم على الطريق، فسمع بذلك أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، فشق عليه وعلى أصحابه فتركوا ذلك الطريق وأخذوا طريقاً آخر، فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ ﴾.
﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ ﴾ [آية: ٣١] يعني عبدالله بن نتيل، يعني إذا رجعوا إلى قومهم رجعوا معجبين بما هم عليه من الضلالة بما فعلوا بعلي وأصحابه، رحمهم الله.
﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴾ [آية: ٣٣].
ثم أخبر بجزائهم على الله تعالى: ﴿ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾ والأرائك السرير في الحجلة، يقول: جلوس من الحجلة يضحكون من أعدائهم، وذلك أن لكل رجل من أهل الجنة ثلمة، ينظرون إلى أعداء الله كيف يعذبون؟ فإذا نظروا إلى أهل النار وما يلقون هم من رحمة الله عز وجل، وعرفوا أن الله قد أكرمهم، فهم ضاحكون من أهل النار، ويكلمونهم حتى يطبق على أهل النار أبوابها في عمد من حديد من نار كأمثال الجبال، فإذا أطبقت عليهم انسدت تلك الكوى، فيمحو الله أسمائهم ويخرجهم من قلوب المؤمنين، فذلك قوله: ﴿ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٣٦] يعني ينظرون من الكوى، فإذا رأوهم، قالوا: والله قد ثوب الكفار ما كانوا يفعلون.


الصفحة التالية
Icon