قوله: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [آية: ١] يقول: ألم نوسع لك صدرك بعد ما كان ضيقاً لا يلح فيه الإيمان حتى هداه الله عز وجل، وذلك قوله:﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ ﴾[الضحى: ٧]، وقوله:﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ ﴾[الشورى: ٥٢]، وذلك أن أربع مائة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الصفة، كانوا قوماً مسلمين، فإذا تصدقوا عليهم شيئاً أكلوه وتصدقوا ببعضه على المساكين، وكانوا يأوون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لهم بالمدينة قبيلة، ولا عشيرة، ثم إنهم خرجوا محتسبين يجاهدون المشركين، وهم بنو سليم كان بينهم وبين المسلمين حرب فخرجوا يجاهدونهم، فقتل منهم سبعون رجلاً، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلمين، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عليهم في دبر كل صلاة الغداة يقنت فيها، ويدعو عليهم أن يهلكهم الله. فقال الله تعالى:﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾[آل عمران: ١٢٨]، ثم عظم الرب تعالى نفسه، فقال:﴿ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[آل عمران: ١٢٩] في تأخير العذاب عنهم، لعلم قد سبق فيهم أن يسلموا، وأنزل الله عز وجل ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ يعني ألم يوسع لك صدرك، يعني بالإيمان يقول: بالتوحيد حتى تقولها، قول: لا إله إلا الله.﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ [آية: ٢] يقول: وحططنا عن ذنبك.
﴿ ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ [آية: ٣] يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك، لقوله:﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾[الفتح: ١، ٢] يا محمد ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [آية: ٤] في الناس علماً، كلما ذكر الله تعالى ذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في خطبة النساء ﴿ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً ﴾ [آية: ٥] ﴿ إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً ﴾ [آية: ٦] يقول: إن مع الشدة الرخاء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك:" لن يغلب، إن شاء الله، عسرا واحد يسرين أبداً "، ثم قال: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ ﴾ يا محمد من الصلاة المتكوبة بعد التشهد والقراءة والركوع والسجود، وأنت جالس قبل أن تسلم ﴿ فَٱنصَبْ وَإِلَىٰ رَبِّكَ ﴾ بالدعاء ﴿ فَٱرْغَبْ ﴾ [آية: ٨] إليه في المسألة، فنهاه عن القنوت في صلاة الغداة. حدثنا عبدالله بن ثابت، حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، قال: حدثنا مقاتل، عن عطاء ابن أبي رباح، عن عبدالله بن عباس، قال: فارقنى خليلى على أربع خصال، كان يؤذن مرتين، ويقيم مرتين، ويسلم مرتين، حتى يستبين بياض خده الأيمن والأيسر، وكان لا يقنت في صلاة الغداة، وكان يسفر جداً صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon