قوله: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [آية: ١] يقول: تزلزت يوم القيامة من شدة صوت إسرافيل، عليه السلام، يعني تحركت، فتفطرت حتى تكسر كل شىء عليها بزلزالها من شدة الزلزلة، ولا تسكن حتى تلقى ما على ظهرها من جبل، أو بناء، أو شجر، فيدخل فيها كل شىء خرج منها، وزلزلت الدنيا، فلا تلبث حتى تسكن ﴿ وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ [آية: ٢] يقول: تحركت فاضطربت، وأخرجت ما في جوفها من الناس والدواب، والجن، وما عليها من الشياطين، فصارت خالية ليس فيها شىء، وتبسط الأرض جديدة بيضاء، كأنها الفضة، أو كانها خامة، ولها شعاع كشعاع الشمس، لم يعمل عليها ذنب، ولم يهرق فيها الدماء، وذلك أنه إذا جاءت النفخة الأولى، يموت الخلق كلهم، ثم النفخة الثانية. فأما الأولى فينادى من تحت العرش من فوق السماء السابعة، وأما الأخرى فمن بيت المقدس، يقعد إسرافيل على صخرة بيت المقدس، فيقول: أيتها العظام البالية، والعروق المتقطعة، واللحوم الممزقة اخرجوا إلى فصل الفضاء، لتجازوا بأعمالكم، قال: فيخرجون من قبورهم إلى الأرض الجديدة، وتسمى الساهرة، فذلك قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ ﴾، وأيضاً ﴿ وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ أخرجت ما فيها من الموتى والأموال.﴿ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾ [آية: ٣] قال الكافر جزعاً ما لها تنطق بما عمل عليها ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [آية: ٤] يقول: تخبر الأرض بما عُمل عليها من خير أو شر، تقول الأرض وحد الله على ظهري، وصلى علي، وصام، وحج، واعتمر، وجاهد، وأطاع ربه، فيفرح المؤمن بذلك وتقول للكافر: أشرك على ظهري، وزنى، وسرق، وشرب الخمر، وفعل، وفعل، فتوبخه في وجهه، وتشهد عليه أيضاً الجوارح، والحفظة من الملائكة، مع علم الله عز وجل فيه، وذلك الخزي العظيم، فلما سمع الإنسان المكذب عمله، قال جزعاً: ﴿ مَا لَهَا ﴾ يعني للأرض تحدث بما عمل عليها، فذلك قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾ في التقديم، يقول له: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ يقول: تشهد على أهلها بما عملوا عليها من خير أو شر، فلما سمع الكافر يومئذ، قال: ما لها تنطق؟ قال الملك الذي كان موكلاً به في الدنيا يكتب حسناته وسيئاته، قال: هذا الكلام الذي تسمع إنما شهدت على أهلها.﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ﴾ [آية: ٥] ﴿ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾ يعني الكافر، يقول: يوحى الله إليها بأن تحدث أخبارها، وأيضاً أن ربك أوحى لها بالكلام، فذلك قوله: ﴿ أَوْحَىٰ لَهَا ﴾.
﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً ﴾ يعني يرجع الناس من بعد العرض والحساب إلى منازلهم من الجنة والنار متفرقين، كقوله:﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾[الروم: ٤٣]، يعني يتفرقون فريق في الجنة، وفريق في السعير. وذكر فيما تقدم ﴿ وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾، ثم ذكر هنا أن الناس أخرجوا ﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ٦] الخير والشر، يعني لكي يعاينوا أعمالهم، وأيضاً ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً ﴾، يقول: انتصف الناس فريقين والأشتات الذين لا يلتقون أبداً، قال: ﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾، ثم قال: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [آية: ٧] يقول: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة، يعني وزن نملة أصغر النمل الأحمر التي لا تكاد نراها من صغرها، خيراً في التقديم يره يومئذ يوم القيامة في كتابه أيضاً ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [آية: ٨] في صحيفته، وذلك أن العرب كانوا لا يتصدقون بالشىء القليل، وكانوا لا يرون بالذنب الصغير بأساً، فزهدهم الله عز وجل في الذنب الحقير، ورغبهم في الصدقة القليلة، فقال: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ في كتابه والذرة أصغر النمل وهي النملة الصغيرة، وأيضاً فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة قدر نملة شراً يره يوم القيامة في كتابه، نزلت في رجلين بالمدينة، كان أحدهما إذا أتاه السائل يستقل أن يعطيه الكسرة أو النمرة، ويقول: ما هذا بشىء إنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه. وقد قال الله عز وجل:﴿ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ﴾[الإنسان: ٨]، فيقول: ليس هذا مما يحب، فيستقل ذلك، ويرى أنه لا يؤجر عليه، فيرد المسكين صفراً، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقول: ليس على من فعل هذا شىء إنما وعد الله النار أهل الكبائر، فأنزل الله عزو جل يرغبهم في القليل من الخير أن يعطه لله، فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر، فالذنب الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال الرواسى، ولجميع محاسنه التي عملها في دار الدنيا أصغر في عينه من حسنة واحدة. حدثنا عبدالله بن ثابت، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن أبي روق، في قوله:﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾[الأنعام: ١١٥]، قال: لمن جاء بشرائع الإسلام، فله الجنة وعدلاً على أهل التكذيب فلهم النار. أسماء من دفن بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله عليهم، عمران بن حصين، وطلحة، والزبير، وزيد بن صوحان، وأنس بن مالك. أسماء من حفظ القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال مقاتل: رحمه الله: شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم. أيوب بن تارح بن عيصو. داود بن أشى بن عويذ بن قارص بن يهوذا بن يعقوب. إسحاق بن إبراهيم. هود وهو عابر. صالح بن أرفخشد ابن سام بن نوح. إبراهيم اسمه إبرخيم، وفي الإنجيل أبو الأمم. لوط بن حران بن أزر، وهو ابن أخي إبراهيم، وسميت حران به. سارة اخت لوط بنت حران، أخي إبراهيم، وهي امرأته. قال مقاتل: الحسن عشرة أجزاء خمسة لحواء، وثلاثة لسارة، وواحد ليوسف، وواحد لسائر الناس. حدثنا عبدالله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: حدثني المسيب بن شريك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قالت الملائكة: نحن المقربون منا حملة العرش، ومنا الحفظة الكرام الكاتبون. جعلت الدنيا لبني آدم يأكلون، ويشربون، ويفرحون، فاجعل لنا الجنة، فأوحى الله إليهم لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي، كمن قلت له كن فكان، قال المسيب: ذلك في كتاب الله عز وجل﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ ﴾[البينة: ٧]، يعني الخليقة. حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، قال: قال الهذيل: حدثني الحذاء عن شيبان، عن بشر بن سعاف، عن عبدالله بن سلام، قال: إن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أكرم عليه من آدم، عليه السلام، قال: فقلت: ولا من جبريل، وميكائيل، عليهما السلام، فقال: نعم، إنما هم قوم محمولون على شىء كالشمس والقمر، وحديث آخر أن المسجود له أكرم على الله عز وجل من الساجد.