قوله: ﴿ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً ﴾ [آية: ١] ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى حنين من كنانة، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصارى أحد النقباء، فغابت فلم يأت النبي صلى الله عليه وسلم خبرها، فأخبره الله عز وجل عنها، فقال: ﴿ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً ﴾ يعني الخيل، وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أرض تهامة، وأبطأ عليه الخبر، فجعلت اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلاً من الأنصار أو من المهاجرين تناجوا بأمره، فكان الرجل يظن أنه قد مات، أو قتل أخوه، أو أبوه، أو عمه، وكان يجد من ذلك أمراً عظيماً، فجاءه جبريل، عليه السلام، يوم الجمعة عند وقت الضحى، فقال: ﴿ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً ﴾ يقول: غدت الخيل إلى الغزو حتى أضبحت فعلت أنفاسها بأفواهها، فكان لها ضباح كضباح الثعلب. ثم قال: ﴿ فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً ﴾ [آية: ٢] يقدحن بحوافرهن في الحجارة ناراً كنار أبي حباحب، كان شيخاً من مصر في الجاهلية له نويرة تقدح مرة وتخمد مرة ليكلا يمر به ضيف فشبه الله عز وجل ضوء و قع حوافرهن في أرض حصباء بنويرة أبي حباحب، وأيضاً ﴿ فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً ﴾ قال: كانت تصيب الحجارة فتقدح منهن النار، ثم قال: ﴿ فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً ﴾ [آية: ٣] وذلك أن الخيل صبحت العدو بغارة يقول: غارت عليهم صبحاً ﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾ [آية: ٤] يقول: فأثرن بجريهن يعني بحوافرهن نقعاً في التراب. حدثنا عبد الله بن ثابت، قال الفراء: النقع الغبار ﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ [آية: ٥] يعني بعدوهن، يقول: حين تعدو الخيل جمع القوم يعني العدو، فأقسم الله عز وجل، بالعاديات ضبحاً، وحدها ﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ [آية: ٦] وأيضاً ﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ يقول: فوسطن بذلك الغبار جمعاً، يقول: حمل المسلمون عليهم، فهزمهم، فضرب بعضهم بعضاً، حتى ارتفع الوهج الذي كان ارتفع من حوافر الخيل إلى السماء، فهزم الله المشركين وقتلهم، فأخبره الله عز وجل بعلامات الخيل، والغبار، وكيف فعل بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل، ومتى كان هذا "؟ قال: اليوم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين بذلك، وقرأ عليهم كتاب الله عز وجل، ففرحوا واستبشروا، وأخزى الله عز وجل اليهود والمنافقين ﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ يعني لكفور، نزلت في قرط بن عبدالله بن عمرو بن نوفل القرشى، وهو الرجل الذي أكل وحده، وأشبع بطنه وأجاع عبده، ومتع رفده، ولم يعط قومه شيئاً، يسمى بلسان بنى مالك بن كنانة الكنود. ثم قال: ﴿ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾ [آية: ٧] يقول: إن الله عز وجل على كفر قرط لشهيد، ثم أخبر عنه، فقال: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [آية: ٨] يعني المال، ثم خوفه، فقال: ﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ ﴾ يعني فهلا يعلم ﴿ إِذَا بُعْثِرَ ﴾ يعني بعث ﴿ مَا فِي ٱلْقُبُورِ ﴾ [آية: ٩] من الموتى ﴿ وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ١٠] من الخير والشر، يعني تميز ما في القلب ﴿ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ لَّخَبِيرٌ ﴾ [آية: ١١] بالصالح منهم والطالح.


الصفحة التالية
Icon