قوله: ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ ﴾ واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار، وذلك أنه لما نزلت﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ ﴾[الشعراء: ٢١٤]، يعني بني هاشم، وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف بن قصى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي طعاماً، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم "، فاشترى على، رحمة الله عليه، رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، وبني المطلب إلى طعامه، وهم أربعون رجلاً غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا. فقال أبو لهب: لهذا ما سحركم به، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة، ويشربون العس، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن، فلما سمع ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي علياً أن يتخذ لهم ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير من الله إني قد جئتكم بما لم يجىء به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا، وأطيعونى تهتدوا "، فقال أبو لهب: تبا لك، يا محمد، سائر اليوم لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله عز وجل فيه: ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [آية: ١] يعني وخسر أبو لهب. ثم استأنف، فقال: ﴿ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ ﴾ في الآخرة ﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ [آية: ٢] يعني أولاده عتبة وعتيبة ومتعب لأن ولده من كسبه ﴿ سَيَصْلَىٰ ﴾ يعني سيغشى أبو لهب ﴿ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ [آية: ٣] ليس لها دخان ﴿ وَٱمْرَأَتُهُ ﴾ وهى أم جميل بنت حرب، وهى أخت أبي سفيان بن حرب ﴿ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ ﴾ [آية: ٤] يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره. ثم أخبر بما يصنع لها في الآخرة، فقال: ﴿ فِي جِيدِهَا ﴾ في عنقها يوم القيامة ﴿ حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ [آية: ٥] يعني سلسلة من حديد، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها: إن محمداً قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر، رحمه الله عليه، كلامها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم داخل البيت، فقال أبو بكر، رحمة الله عليه: يا رسول الله، إن أم جميل قد جاءت، وما أظنها جاءت بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم خذ ببصرها "، أو كما قال. ثم قال لأبى بكر، رحمة الله عليه: " دعها تدخل، فإنها لن ترانى "، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، رحمة الله عليه، جميعاً، فدخلت أم جميل البيت، فرأت أبا بكر، رحمة الله عليه، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانا جميعاً في مكان واحد، فقالت يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقال: وما أردت منه يا أم جميل؟ قالت: إنه بلغنى أنه هجاني، وهجا زوجى، وهجا أولادي، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه، ورأسه أذله بذلك، فقال لها: والله، ما هجاك، ولا هجا زوجك، ولا هجا ولدك. قالت: أحق ما تقول يا أبا بكر، قال: نعم، فقالت: أما إنك لصادق، وأنت الصديق، وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه، فانصرفت إلى منزلها، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح، فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة، قال لهم عتبة: إذا رجعتم إلى مكة، فاخبروا محمداً بأني كفرت بـ﴿ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴾[النجم: ١]، كانت أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: " اللهم سلط عليه كلبك يأكله "، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سار ليلاً ما يكاد ينزل بليل. فهجر بالليل، فسار يومه وليلته، وهم أن لا ينزل حتى يصبح، فلما كان قبيل الصبح، قال له أصحابه: هلكت الركاب، فما زالوا به حتى نزل، وعرس وإبله، وهو مذعور فأناخ الإبل حوله مثل السرادق، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق، ثم أنام الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد، ومعه ملك يقوده، فألقى الله عز وجل على الإبل السكينة، فسكنت. فجعل الأسد يتخلل الإبل، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه، وبقي عظامه وهم لا يشعرون، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد: إني كفرت بالنجم إذا هوى، يعني القرآن إذ نزل، أنزل فيه:﴿ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ ﴾يعني لعن الإنسان﴿ مَآ أَكْفَرَهُ ﴾[عبس: ١٧] يعني عتبة يقول: أي شىء أكفره بالقرآن إلى آخر الآيات. حدثنا عبدالله بن ثابت، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: كانت قريش وأم جميل تقول: مذماً عصيناً، وأمره أبينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ومن لطف الله أن قريشاً تذم مذمماً، وأنا محمد " صلى الله عليه وسلم ".