﴿ وَإِذْ ﴾، يعنى وقد ﴿ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾، وذلك أن الله عز وجل خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس، وهو آدم، عليه السلام، فجعلهم سكان الأرض، وجعل الملائكة سكان السماوات، فوقع فى الجن الفتن والحسد، فاقتتلوا، فبعث الله جنداً من أهل سماء الدنيا، يقال لهم: الجن، إبليس عدو الله منهم، خلقوا جميعاً من نار، وهم خزان الجنة رأسهم إبليس، فهبطوا إلى الأرض، فلم يكلفوا من العبادة فى الأرض ما كلفوا فى السماء، فأحبوا القيام فى الأرض، فأوحى الله عز وجل إليهم: إنى جاعل فى الأرض خليفة سواكم ورافعكم إلىَّ، فكرهوا ذلك؛ لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالاً.
﴿ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا ﴾، يقول: أتجعل فى الأرض ﴿ مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾، يعنى من يعمل فيها بالمعاصى ﴿ وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ ﴾ بغير حق كفعل الجن.
﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾، يقول: نحن نذكرك بأمرك، كقوله سبحانه:﴿ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ﴾[الرعد: ١٣]، يعنى يذكره بأمره، ونقدس لك ونصلى لك ونعظم أمرك.﴿ قَالَ ﴾ الله سبحانه: ﴿ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٠] إن فى علمى أنكم سكان السماء، ويكون آدم وذريته سكان الأرض، ويكون منهم من يسبح بحمدى ويعبدنى، فخلق آدم عليه السلام، من طين أحمر وأبيض من السبخة والعذبة، فمن ثم نسله أبيض وأحمر وأسود مؤمن وكافر، فحسد إبليس تلك الصورة، فقال للملائكة الذين هم معه: أرأيتم هذا الذى لم تروا شيئاً من الخلق على خلقته، إن فضل علىَّ ماذا تصنعون؟ قالوا: نسمع ونطيع لأمر الله، وأسر عدو الله إبليس فى نفسه، لئن فضل آدم عليه لا يطيعه وليستزنه، فترك آدم طيناً أربعين سنة مصوراً، فجعل إبليس يدخل من دبره ويخرج من فيه، ويقول: أنا نار وهذا طين أجوف، والنار تغلب الطين ولأغلبنه، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾[سبأ: ٢٠]، يعنى قوله يومئذ: لأغلبنه، وقوله: لأحتنكن، يعنى لأحتوين على ذريته إلا قليلاً، فقال للروح: ادخلى هذا الجسد، فقالت: أى رب، أين تدخلنى هذا الجسد المظلم؟ فقال الله تبارك وتعالى: ادخليه كرهاً، فدخلته كرهاً، وهى لا تخرج منه إلا كرهاً، ثم نفخ فيه الروح من قبل رأسه، فترددت الروح فيه حتى بلغت نصف جسده موضع السرة، فجعل للقعود، فذلك قوله تعالى:﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾[الإسراء: ١١]، فجعلت الروح تتردد فيه حتى بلغت أصابع الرجلين، فأرادت أن تخرج منها، فلم تجد منفذاً، فرجعت إلى الرأس، فخرجت من المنخرين، فعطس عند ذلك خروجها من منخريه، فقال: الحمد لله، فكان أول كلامه، فرد ربه عز وجل: يرحمك الله، لهذا خلقتك، تسبح بحمدى وتقدس لى، فسبقت رحمته لآدم عليه السلام.