﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، وذلك" أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث سرية، وبعث عليها غالب بن عبدالله الليثى أخا ثميلة بن عبدالله، فلما أصبحوا رأوا رجلاً يسمى مرداس بن عمرو بن نهيك العنسى من بنى تيم بن مرة من أهل فدك، معه غنيمة له، فلما رأى الخيل ساق غنيمته حتى أحرزها فى الجبل، وكان قد أسلم من الليل وأخبر أهله بذلك، فلما دنوا منه كبروا، فسمع التكبير، فعرفهم، فنزل إليهم، فقال: سلام عليكم، إنى مؤمن، فحمل عليه أسامة بن زيد بن حارثة الكلبى من بنى عبد ود، فقال مرداس: إنى منكم أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. فطعنه أسامه برمحه فقتله وسلبه وساق غنمه، فلما قدم المدينة أخبر أسامة النبى صلى الله عليه وسلم، فلامه النبى ملامة شديدة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " قتلته وهو يقول: لا إله إلا الله؟ "، قال: إنما قال ذلك أراد أن يحرز نفسه وغنمه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " أفلا شققت عن قلبه، فتنظر صدق أم لا؟ "، قال: يا رسول الله، كيف يتبين لى؟ وإنما قلبه بضعة من جسده، فقال: " فلا صدقته بلسانه، ولا أنت شققت عن قلبه فيبين لك "، فقال: استغفر لى يا رسول الله، قال: " فكيف لك بلا إله إلا الله "، يقول ذلك ثلاث مرات، فاستغفر له النبى صلى الله عليه وسلم الرابعة "قال أسامة فى نفسه: وددت أنى لم أسلم حتى كان يومئذ، فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة. قال مقاتل، رحمه الله: فعاش أسامة زمن أبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى الله عنهم، حتى أدرك على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فدعاه على، رحمه الله، إلى القتال، فقال أسامة: ما أحد أعز علىَّ منك، ولكن لا أقاتل مسلماً بعد قول النبى صلى الله عليه وسلم: " كيف لك بلا إله إلا الله؟ ". فإن أتيت بسيف إذا ضربت به مسلماً، قال السيف: هذا مسلم، وإن ضربت به كافراً، قال لى: هذا كافر، قاتلت معك، فقال له على: اذهب حيث شئت، فأنزل الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى سرتم غزاة فى سبيل الله.
﴿ فَتَبَيَّنُواْ ﴾ من تقتلوا.
﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ ﴾، يعنى مرداس، وذلك أنه قال لهم: السلام عليكم إنى مؤمن.
﴿ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، يعنى غنم مرداس.
﴿ فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾ فى الآخرة والجنة.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعنى هكذا.
﴿ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ ﴾ الهجرة بمنزلة مرداس تأمنون فى قومكم بالتوحيد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم إذا لقوكم، فلا تخيفون أحداً بأمر كان فيكم تأمنون بمثله قبل هجرتكم.
﴿ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ بالهجرة فهاجرتم.
﴿ فَتَبَيَّنُواْ ﴾ إذا خرجتم فلا تقتلوا مسلماً.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [آية: ٩٤]، فقال أسامة: والله لا أقتل رجلاً بعد هذا يقول: لا إله إلا الله.