﴿ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ ﴾، وذلك أن يهودياً يسمى زيد بن السمين، كان استودع طعمة بن أبيرق الأنصارى من الأوس من بنى ظفر بن الحارث درعاً من حديد، ثم إن زيداً اليهودى طلب درعه فجحده طعمة، فقال زيد لقومه: قد ذكر لى أن الدرع عنده، فانطلقوا حتى نلتمس داره، فاجتمعوا ليلاً فأتوا داره، فلما سمع جلبة القوم أحس قلبه أن القوم إنما جاءوا من أجل الدرع، فرمى به فى دار أبى مليك، فدخل القوم داره، فلم يجدوا الدرع، فاجتمع الناس. ثم إن طعمة اطلع فى دار أبى مليك، فقال: هذا درع فى دار أبى مليك، فلا أدرى هى لكم أم لا؟ فأخذوا الدرع، ثم إن قوم طعمة، قتادة بن النعمان وأصحابه، قالوا: انطلقوا بنا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فلنبرئ صاحبنا، ونقول: إنهم أتونا ليلاً ففضحونا، ولم يكن معهم رسول من قبلك ونأمرهم أن يبرءوا صاحبنا لتنقطع ألسنة الناس عنا بما قذفونا به، ونخبره أنها وجدت فى دار أبى مليك، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم، فأخبروه فصدق النبى صلى الله عليه وسلم طعمة وأبرأه من ذلك، وهو يرى أنهم قد صدقوا، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعنى القرآن ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ لم ننزله باطلاً عبثاً لغير شىء.
﴿ لِتَحْكُمَ ﴾، يعنى لكى تحكم ﴿ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ ﴾، يعنى بما علمك الله فى كتابه، كقوله سبحانه:﴿ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾[سبأ: ٦].
﴿ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ﴾ [آية: ١٠٥]، يعنى طعمة. ثم قال: ﴿ وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ ﴾ يا محمد عن جدالك عن طعمة حين كذبت عنه، فأبرأته من السرقة.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [آية: ١٠٦]، فاستغفر النبى صلى الله عليه وسلم عند ذلك.
﴿ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾، يعنى طعمة.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً ﴾ [آية: ١٠٧] فى دينه أثميا بربه.
﴿ يَسْتَخْفُونَ ﴾، يعنى يستترون بالخيانة ﴿ مِنَ ٱلنَّاسِ ﴾، يعنى طعمة.
﴿ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ ﴾، ولا يشترون بالخيانة من الله.
﴿ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ﴾، يعنى إذ يؤلفون ﴿ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ ﴾، لقولهم: إنا نأتى النبى صلى الله عليه وسلم فنقول له كذا وكذا، فألقوا قولهم بينهم، يعنى قتادة وأصحابه ليدفعوا عن صاحبهم ما لا يرضى الله من القول.
﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ﴾ [آية: ١٠٨]، يعنى أحاط علمه بأعمالهم، يعنى قوم الخائن قتادة بن النعمان وأصحابه. ثم قال يعينهم: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ قوم الخائن ﴿ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ ﴾ نبيكم ﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ عن طعمة.
﴿ فَمَن يُجَادِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ [آية: ١٠٩]، يعنى به قومه، يقول: أم من يكون لطعمة مانعاً فى الآخرة، ثم عرض على طعمة التوبة، فقال: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً ﴾، يعنى إثماً.
﴿ أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ﴾، يعنى قذف البرئ أبا مليك.
﴿ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [آية: ١١٠].
﴿ وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً ﴾، يعنى طعمة.
﴿ فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [آية: ١١١] فى أمره.
﴿ وَمَن يَكْسِبْ ﴾ لنفسه ﴿ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ﴾، يعنى قذف البرئ.
﴿ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً ﴾، يعنى أنه رمى به فى دار أبى مليك الأنصارى.
﴿ فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً ﴾، يعنى قذفه البرئ بما لم يكن.
﴿ وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [آية: ١١٢]، يعنى بيناً. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ﴾، يعنى ونعمته بالقرآن حين بين لك أمر طعمة، فحولك عن تصديق الخائنين بالقرآن.
﴿ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ ﴾، يقول: لكادت طائفة من قوم الخائنين أن يستنزلوك عن الحق.
﴿ وَمَا يُضِلُّونَ ﴾، يعنى وما يستنزلون ﴿ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ﴾، يعنى وما ينقصونك من شىء ليس ذلك بأيديهم، إنما ينقصون أنفسهم، ثم قال: ﴿ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾، يعنى الحلال والحرام.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ من أمر الكتاب وأمر الدين.
﴿ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ [آية: ١١٣]، يعنى النبوة والكتاب.


الصفحة التالية
Icon