قوله سبحانه: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ ﴾، يعنى أكل الميتة.
﴿ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ ﴾، يعنى الذى ذبح لأصنام المشركين ولغيرهم، هذا حرام البتة إن أدركت ذكاته أو لم تدرك ذكاته، فإنه حرام البتة؛ لأنهم جعلوه لغير الله عز وجل، ثم قال عز وجل: ﴿ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ ﴾، يعنى وحرم المنخنقة، الشاة، والإبل، والبقر التى تنخنق أو غيره حتى تموت.
﴿ وَٱلْمَوْقُوذَةُ ﴾، يعنى التى تضرب بالخشب حتى تموت.
﴿ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ ﴾، يعنى التى تردى من الجبل، فتقع منه أو تقع فى بئر فتموت.
﴿ وَٱلنَّطِيحَةُ ﴾، يعنى الشاة تنطح صاحبتها فتموت.
﴿ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ ﴾ من الأنعام والصيد، يعنى فريسة السبع. ثم استثنى، فقال سبحانه: ﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾، يعنى إلا ما أدركتم ذكاته من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، فما أدركتم ذكاته من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع مما أدركتم ذكاته، يعنى بطرف، أو بعرق يضرب، أو بذنب بتحرك، ويذكى فهو حلال.
﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ ﴾، يعنى وحرم ما ذبح على النصب، وهى الحجارة التى كانوا ينصبونها فى الجاهلية فيعبدونها، فهو حرام البتة، وكان خزان الكعبة يذبحون لها، وإن شاءوا بدلوا تلك الحجارة بحجارة أخرى، وألقوا الأولى. ثم قال تعالى ذكره: ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ﴾، يعنى وأن تستقسموا الأمور بالأزلام، والأزلام قدحان فى بيت أصنامهم، فإذا أرادوا أن يركبوا أمراً أتوا بيت أصنامهم، فضربوا بالقدحين، فما خرج من شىء عملوا به، وكان كتب على أحدهما: أمرنى ربى، وعلى الآخر: نهانى ربى، فإذا أرادوا سفراً أتوا ذلك البيت، فغطوا عليه ثوباً، ثم يضربون بالقدحين، فإن خرج السهم الذى فيه: أمرنى ربى، خرج فى سفره، وإن خرج السهم الذى فيه: نهانى ربى، لم يسافر، فهذه الأزلام.﴿ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ﴾، يعنى معصية حراماً ﴿ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ ﴾، يعنى لا تخشوا الكفار.
﴿ وَٱخْشَوْنِ ﴾ فى ترك أمرى، ثم قال سبحانه: ﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ يعنى يوم عرفة، لم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ولا حكم، ولا حد، ولا فريضة، غير آيتين من آخر سورة النساء:﴿ يَسْتَفْتُونَكَ... ﴾[النساء: ١٧٦].
﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾، يعنى شرائع دينكم أمر الحلال والحرام، وذلك أن الله جل ذكره كان فرض على المؤمنين شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالبعث، والجنة، والنار، والصلاة ركعتين غدوة وركعتين بالعشى شيئاً غير مؤقت، والكف عن القتال قبل أن يهاجر النبى صلى الله عليه وسلم، وفرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج، وهو بعد بمكة، والزاكة المفروضة بالمدينة، ورمضان، والغسل من الجنابة، وحج البيت، وكل فريضة. فلما حج حجة الوداع، نزلت هذه الآية يوم عرفة، فبركت ناقة النبى صلى الله عليه وسلم لنزول الوحى بجمع، وعاش النبى صلى الله عليه وسلم بعدها إحدى وثمانين ليلة، ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، وهى آخر آية نزلت فى الحلال والحرام.
﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾، يعنى شرائع دينكم أمر حلالكم وحرامكم ﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾، يعنى الإسلام إذ حججتم وليس معكم مشرك.
﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ﴾، يعنى واخترت لكم الإسلام ديناً، فليس دين أرضى عند الله عز وجل من الإسلام. قال سبحانه:﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾[آل عمران: ٨٥]، ثم قال عز وجل ﴿ فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾، يعنى مجاعة وجهد شديد أصابه من الجوع.
﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ ﴾ غير متعمد لمعصية.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٣]، إذا رخص له فى أكل الميتة، ولحم الخنزير، حين أصابه الجوع الشديد والجهد، وهو على غير المضطر حرام.