﴿ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ ﴾، يعنى اليهود، منهم: رافع بن أبى حريملة، ووهب بن يهوذا.
﴿ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ ﴾ الدين.
﴿ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ ﴾ فيها تقديم، وكان بين محمد وعيسى، صلى الله عليهما وسلم، ستمائة سنة.
﴿ أَن تَقُولُواْ ﴾، يعنى لئلا تقولوا: ﴿ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ ﴾ بالجنة.
﴿ وَلاَ نَذِيرٍ ﴾ من النار، يقول: ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ﴾، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ١٩]، إذ بعث محمداً رسولاً.﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ﴾، وهم بنو إسرائيل.
﴿ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾، يعنى بالنعمة.
﴿ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ ﴾ السبعين الذى جعلهم الله.
﴿ أَنْبِيَآءَ ﴾ بعد موسى وهارون، وبعدما أتاهم الله بالصاعقة.
﴿ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً ﴾، يعنى أغنياء، بعضكم عن بعض، فلا يدخل عليه أحد إلا بإذنه بمنزلة الملوك فى الدنيا، ثم قال: ﴿ وَآتَاكُمْ ﴾، يعنى وأعطاكم.
﴿ مَّا لَمْ يُؤْتِ ﴾، يعنى ما لم يعط ﴿ أَحَداً مِّن ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٠]، يعنى الخير والتوراة، وما أعطاكم الله عز وجل فى التيه من المن والسلوى، وما ظلل عليهم من الغمام وأشباه ذلك مما فضلوا به على غيرهم. فقال موسى: ﴿ يَاقَوْمِ ﴾ بنى إسرائيل.
﴿ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ ﴾، يعنى المطهرة ﴿ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾، يعنى التى أمركم الله عز وجل أن تدخلوها وهى أريحا أرض الأردن وفلسطين، وهما من الأرض المقدسة.
﴿ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ ﴾، يعنى ولا ترجعوا ورائكم بترككم الدخول.
﴿ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٢١]، يعنى فترجعوا خاسرين. وذلك أن الله عز وجل قال لإبراهيم، عليه السلام، وهو بالأرض المقدسة: إن هذه الأرض التى أنت بها اليوم هى ميراث لولدك من بعدك، فلما أخرج الله عز وجل موسى، عليه السلام، من مصر مع بنى إسرائيل، وقطعوا البحر، وأعطوا التوراة، أمرهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة، فساروا حتى نزلوا على نهر الأردن فى جبل أريحا، وكان فى أريحا ألف قرية، فى كل قرية ألف بستان، وجبنوا أن يدخلوها، فبعث موسى، عليه السلام، اثنى عشر رجلاً، من كل سبط رجلاً، يأتونه بخبر الجبارين، وأمرهم أن يأتوه منها بالثمرة. فلما أتوها خرج إليهم عوج بن عناق بنت آدم، فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدى الملك بانوس بن سشرون، فنظر إليهم، فأمر بقتلهم، فقالت امرأته: أيها الملك، أنعم على هؤلاء المساكين، فدعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقاً غير الذى جاءوا فيه، فأرسلهم لها، فأخوا عنقوداً من كرومهم، وحملوه على عمودين بين رجلين، وعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم، فعجزت الدابة عن حملهما حتى أتوا به أصحابهم وهم بواد يقال له: جبلان، فسموا ذلك المنزل وادى العنقود.﴿ قَالُوا يَامُوسَىٰ ﴾ وجدناها أرضاً مباركة تفيض لبناً وعسلاً كما عهد الله عز وجل إليك، ولكن ﴿ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ ﴾، يعنى قتالين أشداء يقتل الرجل منهم العصابة منا، فإن كان الله عز وجل أراد أن يجعلها لنا منزلاً وسكناً، فليسلطك عليهم فتقتلهم وإلا فليس لنا بهم قوة، وحصنهم منيع، فتتابع على ذلك منهم عشرة، فقالوا لموسى: ﴿ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ ﴾، طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف من بقايا قوم عاد، وكان عوج بن عناق بنت آدم فيهم.
﴿ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا ﴾، وهى أريحا.
﴿ فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾ [آية: ٢٢].
قال يوشع بن نون، وهو من سبط بنيامين، وكالب بن يوقنا، وهو من سبط يهوذا.
﴿ قَالَ رَجُلاَنِ ﴾، وهما الرجلان من القوم.
﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾ من العدو وقد ﴿ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾ بالإسلام، قالا: ليس كما يقول العشرة، سيروا حتى تحيطوا بالمدينة وبأبوابها، فإن القوم إذا رأوا كثرتكم بالباب وكبرتم رعبوا منكم، فانكسرت قلوبهم وانقطعت ظهورهم، وذهبت قوتهم، فـ ﴿ ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ ﴾، يقول: وبالله فلتتقوا.
﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢٣] بقتلهم بأيديكم، وينفيهم من أرض هى ميراثهم.﴿ قَالُواْ يَامُوسَىۤ ﴾ أتصدق رجلين وتكذب عشرة يا موسى.
﴿ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ ﴾ ينصرك عليهم.
﴿ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [آية: ٢٤]، يعنى مكاننا، فإننا لا نستطيع قتال الجبابرة، فغضب موسى عليهم، و ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ ﴾ من الطاعة ﴿ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ﴾ هارون.
﴿ فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا ﴾، يعنى فاقض بيننا ﴿ وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ [آية: ٢٥]، يعنى العاصين الذين عصوا أن يقاتلوا عدوهم، وهم كلهم مؤمنون. فأوحى الله عز وجل إلى موسى، عليه السلام: أما إذا سميتهم فاسقين، فالحق أقول: لا يدخولنها أبداً، وذلك قوله عز وجل: ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ﴾ دخولها البتة أبداً.
﴿ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ فيها تقديم.
﴿ يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ فى البرية، فأعمى الله عز وجل عليهم السبيل، فحبسهم بالنهار، وسيرهم بالليل، يسهرون ليلهم، فيصبحون حيث أمسوا، فإذا بلغ أجلهم، وهو أربعون سنة، أرسلت عليهم الموت، فلا يدخلها إلا خلوفهم، إلا يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، فهما يسوقان بنى إسرائيل إلى تلك الأرض، فتاه القوم فى تسع فراسخ عرض وثلاثين فرسخاً طول، وقالوا أيضاً: ستة فراسخ عرض فى اثنى عشر فرسخاً طول، فقال القوم لموسى، عليه السلام، ما صنعت بنا، دعوت علينا حتى بقينا فى التيه؟ وندم موسى، عليه السلام، على ما دعا عليهم، وشق عليه حين تاهوا، فأوحى الله عز وجل إليه: ﴿ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ [آية: ٢٦]، يعنى لا تحزن على قوم أنت سميتهم فاسقين أن تاهوا. ثم مات هارون، عليه السلام، فى التيه، ومات موسى من بعده بستة أشهر، فماتا جميعاً فى التيه، ثم إن الله عز وجل أخرج ذرياتهم بعد أربعين سنة وقد هلكت الأمة العصاة كلها، وخرجوا مع يوشع بن نون ابن أخت موسى، وكالب بن يوقنا بعد وفاة موسى، عليه السلام، بشهرين، فأتوا أريحا، فقاتلوا أهلها ففتحوها، وقتلوا مقاتلهم، وسبوا ذراريهم، وقتلوا ثلاثة من الجبارين، وكان قاتلهم يوشع بن نون، فغابت الشمس، فدعا يوشع بن نون، فرد الله عز وجل عليه الشمس، فأطلعت ثانية، وغابت الشمس الثانية، ودار الفلك فاختلط على الحساب حسابهم منذ يومئذ فيما بلغنا، ومات فى التيه كل ابن عشرين سنة فصاعداً، وموضع التيه بين فلسطين وإيلة ومصر، فتاه القوم بعصيانهم ربهم عز وجل، وخلافهم على نبيهم، مع دعاء بلعام بن باعور بن ماث عليهم فيما بين ستة فراسخ إلى اثنى عشر فرسخاً، لا يستطيعون الخروج منها أربعين سنة، ومات هارون حين أتم ثمانية وثمانين سنة، وتوفى موسى بعده بستة أشهر، وساتخلف عليهم يوشع بن نون، وحين ماتوا كلهم أخرج ذراريهم يوشع بن نون. وكالب بن يوقنا.


الصفحة التالية
Icon