قوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾، يعنى بالمحاربة الشرك، نظيرها فى براءة، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وذلك أن تسعة نفر من عرينة وهم من بجيلة، أتوا النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا، فأصابهم وجع شديد، ووقع الماء الأصفر فى بطونهم، فأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ليشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا ذلك، فلما صحوا عمدوا إلى الراعى، فقتلوه وأغاروا على الإبل، فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام، فبعث النبى صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فى نفر فأخذهم. فلما أتوا بهم النبى صلى الله عليه وسلم، أمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾، يعنى الكفر بعد الإسلام.
﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً ﴾ القتل وأخذ الأموال.
﴿ أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ ﴾، يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى، فالإمام فى ذلك بالخيار فى القتل والصلب، وقطع الأيدى والأرجل.
﴿ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ﴾، يقول: يخرجوا من الأرض، أرض المسلمين، فينفوا بالطرد.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ جزاءهم الخزى ﴿ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾ قطع اليد والرجل والقتل والصلب فى الدنيا.
﴿ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٣٣]، يعنى كثيراً وافراً لا انقطاع له. ثم استثنى، فقال عز وجل: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ من الشرك ﴿ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ﴾، فتقيموا عليهم الحد، فلا سبيل لكم عليهم، يقول: من جاء منهم مسلماً قبل أن يؤخذ، فإن الإسلام يهدم ما أصاب فى كفره من قتل أو أخذ مال، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لما كان منه فى كفره ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٣٤] به حين تاب ورجع إلى الإسلام، فأما من قتل وهو مسلم، فارتد عن الإسلام، ثم رجع مسلماً، فإنه يؤخذ بالقصاص.