قوله سبحانه: ﴿ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ ﴾، نزلت فى سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، وفى رجل من الأنصار، يقال له: عتبان بن مالك الأنصارى، وذلك أن الأنصارى صنع طعاماً، وشوى رأس بعير، ودعا سعد بن أبى وقاص إلى الطعام، وهذا قبل التحريم، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا، وقالوا الشعر، فقام الأنصارى إلى سعد، فأخذ إحدى لحيى البعير، فضرب به وجهه فشجه، فانطلق سعد مستعدياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل تحريم الخمر. فقال سبحانه: ﴿ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ ﴾، يعنى به القمار كله.
﴿ وَٱلأَنصَابُ ﴾، يعنى الحجارة التى كانوا ينصبونها ويذبحون لها.
﴿ وَٱلأَزْلاَمُ ﴾، يعنى القدحين الذين كانوا يعملون بهما.
﴿ رِجْسٌ ﴾، يعنى إثم.
﴿ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ ﴾، يعنى من تزيين الشيطان، ومثله فى القصص:﴿ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾[القصص: ١٥].
﴿ فَٱجْتَنِبُوهُ ﴾، فهذا النهى للتحريم، كما قال سبحانه:﴿ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ ﴾[الحج: ٣٠]، فإنه حرام، كذلك فاجتنبوا الخمر، فإنها حرام.
﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٩٠]، يعنى لكى.﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ ﴾، يعنى أن يغرى بينكم العداوة.
﴿ وَٱلْبَغْضَآءَ ﴾ الذى كان بين سعد وبين الأنصارى حتى كسر أنف سعد.
﴿ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ﴾، ورث ذلك العداوة والبغضاء.
﴿ وَ ﴾ يريد الشيطان أن ﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾، يقول: إذا سكرتم لم تذكروا الله عز وجل.
﴿ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ ﴾، يقول: إذا سكرتم لم تصلوا.
﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾ [آية: ٩١]، فهذا وعيد بعد النهى والتحريم، قالوا: انتهينا يا ربنا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الذين آمنوا، إن الله حرم عليكم الخمر، فمن كان عنده منها شئ، فلا يشربها، ولا يبيعها، ولا يسقيها غيره ". قال: وقال أنس بن مالك: لقد نزل تحريم الخمر وما بالمدينة يومئذ خمر، إنما كانوا يشربون الفصيح، وأما الميسر، فهو القمار، وذلك أن الرجل فى الجاهلية كان يقول: أين أصحاب الجزور، فيقوم نفر، فيشترون بينهم جزوراً، فيجعلون لكل رجل منهم سهم، ثم يقرعون، فمن خرج سهمه برئ من الثمن، وله نصيب فى اللحم، حتى يبقى آخرهم، فيكون عليه الثمن كله، وليس له نصيب فى اللحم، وتقسم الجزور بين البقية بالسوية. وأما الأزلام، فهى القداح التى كانوا يقتسمون الأمور بها، قدحين مكتوب على أحدهما: أمرنى ربى، وعلى الآخر: نهانى ربى، فإذا أرادوا أمراً أتوا بيت الأصنام، فغطوا عليه ثوباً، ثم ضربوا بالقداح، فإن خرج أمرنى ربى، مضى على وجهه الذى يريد، وإن خرج نهانى ربى، لم يخرج فى سفره، وكذلك كانوا يفعلون إذا شكوا فى نسبة رجل، وأما الأنصاب، فهى الحجارة التى كانو ينصبونها حول الكعبة، وكانوا يذبحون لها. ثم قال عز وجل: ﴿ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾ فى تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، إلى آخر الآية.
﴿ وَٱحْذَرُواْ ﴾ معاصيهما.
﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾، يعنى أعرضتم عن طاعتهما.
﴿ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ٩٢] فى تحريم ذلك، فلما نزلت هذه الآية فى تحريم الخمر، ، قال حيى بن أخطب، وأبو ياسر، وكعب ابن الأشرف للمسلمين: فما حال من مات منكم، وهم يشربون الخمر؟ فذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن إخواننا ماتوا وقتلوا، وقد كانوا يشربونها، فأنزل الله عز وجل: ﴿ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ ﴾، يعنى حرج.
﴿ فِيمَا طَعِمُوۤاْ ﴾، يعنى شربوا من الخمر قبل التحريم.
﴿ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ ﴾ المعاصى.
﴿ وَآمَنُواْ ﴾ بالتوحيد.
﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾، يعنى أقاموا الفرائض قبل التحريم.
﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ المعاصى.
﴿ وَآمَنُواْ ﴾ بما يجىء من الناسخ والمنسوخ.
﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ المعاصي بعد تحريمها ﴿ وَآمَنُواْ ﴾ يعني صدقوا ﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾ الشرك ﴿ وَّأَحْسَنُواْ ﴾ العمل بعد تحريمها، فمن فعل ذلك، فهو محسن.
﴿ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٩٣]،" فقال النبى صلى الله عليه وسلم للذى سأله: " قيل لى إنك من المحسنين " ".


الصفحة التالية
Icon