قوله سبحانه: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾، " نزلت فى عبد الله بن جحش بن رباب الأسدى، من بنى غنم ابن دودان، وفى عبدالله بن حذافة القرشى، ثم السهمى، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج "، فقال عبدالله بن جحش: أفى كل عام؟ فسكت عنه صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد قوله، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم، ثم عاد، فغضب النبى صلى الله عليه وسلم ونخسه بقضيب كان معه، ثم قال: " ويحك، لو قلت نعم لوجبت، فاتركونى ما تركتكم، فإذا أمرتكم بأمر فافعلوه، وإذا نهيتكم عن أمر فانتهوا عنه "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إنه قد رفعت لى الدنيا، فأنا أنظر إلى ما يكون فى أمتى من الأحداث إلى يوم القيامة، ورفعت لى أنساب العرب، فأنا أعرف أنسابهم رجلاً رجلاً ". فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أين أنا؟ قال: " أنت فى الجنة "، ثم قام آخر، فقال: أين أنا؟ قال: " فى الجنة "، ثم قال الثالث، فقال: أين أنا؟ فقال: أنت فى النار "، فرجع الرجل حزيناً، وقام عبدالله بن حذافة، وكان يطعن فيه، فقال: يا رسول الله، من أبى؟ قال: " أبوك حذافة "، وقام رجل من بنى عبد الدار، فقال: يا رسول الله، من أبى؟ قال: " سعد "، نسبه إلى غير أبيه، فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، استر علينا يستر الله عليك، إنا قوم قريبو عهد بالشرك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيراً "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾، يعنى إن تبين لكم فلعلكم إن تسألوا عما لم ينزل به قرآناً فينزل به قرآناً مغلظاً لا تطيقوه، قوله سبحانه: ﴿ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ ﴾، يعنى عن الأشياء حين ينزل بها قرآناً.
﴿ تُبْدَ لَكُمْ ﴾ تبين لكم.
﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا ﴾، يقول: عفا الله عن تلك الأشياء حين لم يوجبها عليكم.
﴿ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٠١]، يعنى ذو تجاوز حين لا يعجل بالعقوبة. ثم قال عز وجل: ﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ ﴾، يقول: قد سأل عن تلك الأشياء.
﴿ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾، يعنى من بنى إسرائيل، فبينت لهم.
﴿ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ ﴾ [آية: ١٠٢]، وذلك أن بنى إسرائيل سألوا المائدة قبل أن تنزل، فلما نزلت كفروا بها، فقالوا: ليست المائدة من الله، وكانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء، فإذا أخبروهم بها تركوا قولهم، ولم يصدقوهم، فأصبحوا بتلك الأشياء كافرين. قوله سبحانه: ﴿ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ ﴾ حراماً.
﴿ مِن بَحِيرَةٍ ﴾ لقولهم: إن الله أمرنا بها،" نزلت فى مشركى العرب، منهم: قريش، وكنانة، وعامر بن صعصعة، وبنو مدلج، والحارث وعامر ابنى عبد مناة، وخزاعة، وثقيف، أمرهم بذلك فى الجاهلية عمرو بن ربيعة بن لحى بن قمعة بن خندف الخزاعى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمرو بن ربيعة الخزاعى رجلاً قصيراً، أشقر، له وفرة، يجر قصبه فى النار، يعنى أمعاءه، وهو أول من سيب السائبة، واتخذ الوصيلة، وحمى الحامى، ونصب الأوثان حول الكعبة، وغير دين الحنفية، فأشبه الناس به أكثم بن لجون الخزاعى "، فقال أكثم: أيضرنى شبهه يا رسول الله؟ قال: " لا، أنت مؤمن وهو كافر ". والبحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، فإذا كان الخامس سقيا، وهو الذكر، ذبحوه للآلهة، فكان لحمه للرجال دون النساء، وإن كان الخامس ربعة، يعنى أنثى، شقوا أذنيها، فهى البحيرة، وكذلك من البقر، لا يجز لها وبر، ولا يذكر اسم الله عليها إن ركبت، أو حمل عليها، ولبنها للرجال دون النساء، وأما السائبة، فهى الأنثى من الأنعام كلها، كان الرجل يسيب للآلهة ما شاء من إبله وبقره وغنمه، ولا يسيب إلا الأنثى، وظهورها، وأولادها، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها، وألبانها للآلهة، ومنافعها للرجال دون النساء، وأما الوصيلة، فهى الشاة من الغنم إذا ولدت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع، فإن كان جدياً ذبحوه للآلهة، وكان لحمه للرجال دون النساء، وإن كانت عتاقاً استحيوها، فكانت من عرض الغنم. قال عبدالله بن ثابت: قال أبى: قال أبو صالح: قال مقاتل: وإن وضعته ميتاً، أشرك فى أكله الرجال والنساء، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ ﴾[الأنعام: ١٣٩]، بأن ولدت البطن السابع جدياً وعتاقاً، قالوا: إن الأخت قد وصلت أخاها، فرحمته علينا، فحرما جميعاً، فكانت المنفعة للرجال دون النساء، وأما الحام، فهو الفحل من الإبل إذا ركب أولاد أولاده، فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك، قالوا: قد حمى هذا ظهره، فأحرز نفسه، فيهل للآلهة ولا يحمل عليه، ولا يركب، ولا يمنع من مرعى، ولا ماء، ولا حمى، ولا ينحر أبداً حتى يموت موتاً، فأنزل الله عز وجل: ﴿ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ ﴾ حراماً.
﴿ مِن بَحِيرَةٍ ﴾ ﴿ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من قريش وخزاعة من مشركى العرب.
﴿ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ﴾؛ لقولهم: إن الله أمرنا بتحريمه حين قالوا فى الأعراف:﴿ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾[الأعراف: ٢٨]، يعنى بتحريمها، ثم قال: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٠٣] أن الله عز وجل لم يحرمه. قوله سبحانه: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾، يعنى مشركى العرب.
﴿ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ﴾ فى كتابه من تحليل ما حرم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
﴿ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ ﴾ من أمر الدين، فإن أمرنا أن نعبد ما عبدوا، يقول الله عز وجل: ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ ﴾، يعنى فإن كان آباؤهم.
﴿ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ من الدين.
﴿ وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ١٠٤] له، أفتتبعونهم؟.