﴿ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى بالبعث.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾، يعنى يوم القيامة بغتة، يعنى فجأة.
﴿ قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا ﴾، يعنى كفار قريش.
﴿ عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ﴾، يقولون: يا ندامتنا على ما ضيعنا فى الدنيا من ذكر الله، ثم قال: ﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [آية: ٣١]، وذلك أن الكافر إذا بعث فى الآخرة، أتاه عمله الخبيث فى صورة حبشى، أشوه، منتن الريح، كريه المنظر، فيقول له الكافر: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، قد كنت أحملك فى الدنيا بالشهوات واللذات، فاحملنى اليوم، فيقول: وكيف أطيق حملك؟ فيقول: كما حملتك، فيركب ظهره، فذلك قوله: ﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾، يعنى ألا بئس ما يحملون.﴿ وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ ﴾، يعنى إلا باطل.
﴿ وَلَهْوٌ ﴾ يكون فى الدنيا.
﴿ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ ﴾، يثنى عل الجنة، يقول: ولدار الجنة أفضل من الدنيا.
﴿ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ الشرك.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعنى فهلا ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٣٢] أن الدار الآخرة أفضل من الدنيا؛ لأنها بعد دار الدنيا، وإنما سميت الدنيا؛ لأنها أدنى إلينا من دار الآخرة.﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ ﴾، نزلت فى الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى، كان الحارث يكذب النبى صلى الله عليه وسلم فى العلانية، فإذا خلا مع أهل ثقته، قال: ما محمد من أهل الكذب، وإنى لأحسبه صادقاً، وكان إذا لقى النبى صلى الله عليه وسلم، قال: إنا لنعلم أن هذا الذى تقول حق، وإنه لا يمنعنا أن نتبع الهدى معك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس، يعنى العرب، من أرضنا إن خرجنا، فإنما نحن أكلة رأس، ولا طاقة لنا بهم، نظيرها فى القصص:﴿ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ﴾[القصص: ٥٧]، فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ ﴾ فى العلانية بأنك كذاب مفتر.
﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ﴾ فى السر بما تقول بأنك نبى رسول، بل يعلمون أنك صادق، وقد جربوا منك الصدق فيما مضى.
﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [آية: ٣٣]، يعنى بالقرآن بعد المعرفة.﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾، وذلك قبل كفار مكة؛ لأن كفار مكة، قالوا: يا محمد، ما يمنعك أن تأتينا بآية كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم، فإن فعلت صدقناك، وإلا فأنت كاذب، فأنزل الله يعز نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه، وأن يقتدى بالرسل قبله: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ ﴿ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ فى هلاك قومهم، وأهل مكة بمنزلتهم، فذلك قوله: ﴿ وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعنى لا تبديل لقول الله بأنه ناصر محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وقوله حق كما نصر الأنبياء قبله.
﴿ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ﴾، يعنى من حديث ﴿ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٣٤] حين كذبوا وأوذوا ثم نصروا.﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ ﴾، يعنى ثقل عليك.
﴿ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ عن الهدى، ولم تصبر على تكذيبهم إياك.
﴿ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعنى سرباً.
﴿ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾، أى فإن لم تستطع فأت بسلم ترقى فيه إلى السماء.
﴿ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ﴾ فافعل إن استطعت، ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم، فقال: ﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ [آية: ٣٥]، فإن الله لو شاء لجعلهم مهتدين.


الصفحة التالية
Icon