قوله: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾، وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى المشركين يوم بدر، وعلم أنه لا قوة له بهم إلا بالله، دعا ربه، فقال: " اللهم إنك أمرتني بالقتال، ووعدتني بالنصر، وإنك لا تخلف الميعاد "، فاستجاب له ربه، فأنزل الله: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ﴾ في النصر.
﴿ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ ﴾ يوم بدر.
﴿ مُرْدِفِينَ ﴾ [آية: ٩]، يعني متتابعين، كقوله في المؤمنين:﴿ رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾[المؤمنون: ٤٤]، وقوله:﴿ طَيْراً أَبَابِيلَ ﴾[الفيل: ٣]، وقوله:﴿ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ﴾[هود: ٥٢]، يعني متتابع قطرها. فنزل جبريل، عليه السلام، في ألف من الملائكة، فقام جبريل، عليه السلام، في خمسمائة ملك عن ميمنة الناس، معهم أبو بكر، ونزل ميكائيل، عليه السلام، فى خمسمائة على ميسرة الناس، معهم عمر فى صورة الرجال، عليهم البياض، وعمائم البيض، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم، فقاتلت الملائكة يوم بدر، ولم يقاتلوا يوم الأحزاب، ولا يوم خيبر. ثم قال: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ ﴾، يعني مدد الملائكة.
﴿ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴾، يعني لتسكن إليه قلوبكم.
﴿ وَمَا ٱلنَّصْرُ ﴾، وليس النصر.
﴿ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾، وليس النصر بقلة العدد ولا بكثرته، ولكن النصر من عند الله.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الآية: ١٠].
﴿ عَزِيزٌ ﴾، يعني منيع.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ في أمره، حكم النصر. وقوله: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ ﴾، وذلك أن كفار مكة سبقوا النبى صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر، فخلفوا الماء وراء ظهورهم، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء، وبينهم وبين عدوهم بطن واد فيه رمل، فمكث المسلمون يوماً وليلة يصلون محدثين مجنبين، فأتاهم إبليس، لعنه الله، فقال لهم: أليس قد زعمتم أنكم أولياء الله على دينه، وقد غلبتم على الماء تصلون على غير طهور، وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء، حتى إذا انقطت رقابكم من العطش، قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضاً، فيقرنونكم بالحبال، فيقتلون منكم من شاءوا، ثم ينطلقون بكم إلى مكة. فحزن المسلمون وخافوا، وامتنع منهم النوم، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن، فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم، وأرسل السماء عليهم ليلاً، فأمطرت مطراً جواداً حتى سالت الأودية، وملؤوا الأسقية، وسقوا الإبل، واتخذوا الحياض، واشتدت الرملة، وكانت تأخذ إلى كعبى الرجال، وكانت باعة المؤمنين رجال لم يكن معهم إلا فارسان: المقداد بن الأسود، وأبو مرثد الغنوى، وكان معهم ستة أدرع، فأنزل الله ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ ﴾ ﴿ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ من الأحداث، والجنابة.
﴿ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ ﴾، يعنى الوسوسة التى ألقاها في قلوبكم والحزن.
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ ﴾ بالإيمان من تخويف الشيطان.
﴿ وَيُثّبِّتَ بِهِ ﴾، يعنى بالمطر.
﴿ ٱلأَقْدَامَ ﴾ [آية: ١١].
﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ ﴾، ولما وصف القوم، أوحى الله عز وجل.
﴿ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ﴾، فبشروا ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ بالنصر، فكان الملك في صورة بشر فى الصف الأول، فيقول: أبشروا، فإنكم كثير، وعددهم قليل، فالله ناصركم، فيرى الناس أنه منهم، ثم قال ﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ ﴾ بتوحيد الله عز وجل يوم بدر، ثم علمهم كيف يصنعون، فقال: ﴿ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ ﴾، يعنى الرقاب، تقول العرب: لأضربن فوق رأسك، يعنى الرقاب.
﴿ وَٱضْرِبُواْ ﴾ بالسيف ﴿ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [آية: ١٢]، يعنى الأطراف.﴿ ذٰلِكَ ﴾ الذى نزل بهم ﴿ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾، يعنى عادوا الله ورسوله.
﴿ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ ﴾، يعنى ومن يعاد الله ﴿ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [آية: ١٣] إذا عاقب.﴿ ذٰلِكُمْ ﴾ القتل.
﴿ فَذُوقُوهُ ﴾ يوم بدر في الدنيا، ثم قال: ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ بتوحيد الله عز وجل مع القتل، وضرب الملائكة الوجوه، والأدبار أيضاً، لهم فى الآخرة ﴿ عَذَابَ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ١٤].