﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ﴾، يعنى أبا لبابة، وفيه نزلت هذه الآية، نظيرها فى المتحرم ﴿ وَتَخُونُوۤاْ ﴾ [التحريم: ١٠] يعنى فخالفتاهما فى الدين، ولم يكن فى الفرج، واسمه مروان بن عبد المنذر الأنصارى، من بنى عمرو بن عوف، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة، فسألوا الصلح على مثل صلح أهل النصير، على أن يسيروا إلى إخواتهم إلى أذرعات وأريحا فى أرض الشام، وأبى النبى صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا إلا على الحكم، فأبوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحهم، وهو حليف لهم، فبعثه النبى صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما أتاهم، قالوا: يا أبا لبابة، أتنزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأشار أبا لبابة بيده إلى حلقه إنه الذبح، فلا تنزلوا على الحكم، فأطاعوه، وكان أبو لبابة وولده معهم، فغش المسلمين وخان، فنزلت فى أبى لبابة ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ﴾ ﴿ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢٧] أنها الخيانة. ثم حذرهم، فقال ﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾، يعنى بلاء؛ لأنه ما نصحهم إلا من أجل ماله وولده؛ لأنه كان فى أيديهم.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ ﴾، يعني جزاء ﴿ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٢٨]، يعني الجنة.﴿ يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾، فلا تعصوه.
﴿ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ﴾، يعنى مخرجاً من الشبهات.
﴿ وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾، يعنى ويمحو عنكم خطاياكم.
﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾، يقول: ويتجاوز عنكم.
﴿ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٢٩].
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وذلك أن نفراً من قريش، منهم: أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وهشام بن عمرو، وأبو البحتري بن هشام، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبى معيط، وعيينة بن حصن الفزارى، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، اجتمعوا فى دار الندوة بمكة يوم، وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم إبليس فى صورة رجل شيخ كبير، فجلس معهم، فقالوا: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا، قال: إنما أنا رجل من أهل نجد، ولست من أهل تهامة، قدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، نقية ثيابكم، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأستر عليكم، فإن كرهتم مجلسى خرجت من عندكم، فقالوا: هذا رجل من أهل نجد، وليس من أهل تهامة، فلا بأس عليكم منه، فتعملوا بالمكر بمحمد. فقال أبو البحترى بن هشام، من بنى أسد بن عبد العزى: أما أنا فرأيى أن تأخذوا محمداً، فتجعلوه فى بيت، وتسدوا بابه، وتدعوا له كوة، يدخل منها طعامه وشرابه حتى يموت، قال إبليس: بئس والله الرأى رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به من حولكم، فتحبسونه فتعطمونه وتسقونه فيوشك الصغو الذى له فيكم أن يقاتلكم عليه، فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم، فقالوا: صدق والله الشيخ. فقال هشام بن عمرو، من بنى عامر بن لؤى: أما أنا، فرأيى أن تحملوا محمداً على بعير، فيخرج من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم، قال إبليس: بئس والله الرأى رأيتم، تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم، واتبعه منك طائفة، فتخرجوه إلى غيركم، فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى الصغو الذى له فيكم، قالوا: صدق والله الشيخ. فقال أبو جهل بن هشام المخزومي: أما أنا، فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش، فتأخذوا من كل بطن رجلاً، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفاً، فيضربونه جميعاً بأسيافهم، فلا يدري قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته، قال إبليس: صدق والله الشاب، إن الأمر لكما قال، فتفرقوا على قول أبي جهل. فنزل جبريل، عليه السلام، فأخبره بما ائتمر به القوم، وأمره بالخروج، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار، وأنزل الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من قريش ﴿ لِيُثْبِتُوكَ ﴾، يعنى ليحبسوك فى بيت، يعني أبا البحتري بن هشام.
﴿ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴾، يعنى أبا جهل.
﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ من مكة، يعني به هشام بن عمرو.
﴿ وَيَمْكُرُونَ ﴾ بالنبي صلى الله عليه وسلم الشر.
﴿ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ ﴾ بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر، فذلك قوله: ﴿ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ ﴾ [آية: ٣٠] أفضل مكراً منهم، أنزل الله:﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ ﴾، يقول: أم أجمعوا على أمر،﴿ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾[الزخرف: ٧٩]، يقول: لنخرجنهم إلى بدر فنقتلهم، أو نعجل أرواحهم إلى النار. قوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ﴾، يعنى القرآن.
﴿ قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا ﴾ القرآن، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة، من بني عبد الدار بن قصي، ثم قال: ﴿ إِنْ هَـٰذَآ ﴾ الذى يقول محمد من القرآن ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٣١]، يعنى أحاديث الأولين، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يحدث عن الأمم الخالية، وأنا أحدثكم عن رستم واسفنديار كما يحدث محمد، فقال عثمان بن مظعون الجمحي: اتق الله يا نضر، فإن محمداً يقول الحق، قال: وأنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمداً يقول: لا إله إلا الله، قال: وأنا أقول: لا إله إلا الله، ولكن الملائكة بنات الله. فأنزل الله عز وجل فى حم الزخرف، فقال:﴿ قُلْ ﴾يا محمد:﴿ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ ﴾[الزخرف: ٨١]، أول الموحدين من أهل مكة، فقال عند ذلك: ألا ترون قد صدقنى: ﴿ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾، قال الوليد بن المغيرة: لا والله ما صدقك، ولكنه قال: ما كان للرحمن ولد، ففطن لها النضر، فقال: ﴿ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا ﴾ ما يقول محمد ﴿ هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ ﴾، يعنى القرآن.
﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آية: ٣٢]، يعنى وجيع. فأنزل الله: ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾، يعنى أن يعذبهم ﴿ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ بين أظهرهم حتى يخرجك عنهم كما أخرجت الأنبياء عن قومهم.
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [آية: ٣٣]، يعنى يصلون لله، كقوله:﴿ وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾[الذاريات: ١٨]، يعنى يصلون، وذلك أن نفراً من بنى عبد الدار، قالوا: إنا نصلي عند البيت، فلم يكن الله ليعذبنا ونحن نصلي له. ثم قال: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ إذ لم يكن نبي ولا مؤمن بعد ما خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من أهل مكة.
﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾ المؤمنين.
﴿ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ ﴾، يعني أولياء الله.
﴿ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ ﴾، يعني ما أولياء الله ﴿ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾ الشرك، يعني المؤمنين أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٤]، يقول: أكثر أهل مكة لا يعلمون توحيد الله عز وجل. وأنزل الله عز وجل فى قول النضر أيضاً حين قال:﴿ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، يعنى وجيع، أنزل:﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ... ﴾[المعارج: ١] إلى آيات منها. ثم أخبر عن صلاتهم عند البيت، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ ﴾، يعنى عند الكعبة الحرام.
﴿ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً ﴾، يعني بالتصدية الصفير والتصفية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فى المسجد الحرام، قام رجلان من بني عبد الدار بن قصي من المشركين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، فيصفران كما يصفر المكاء، يعنى به طيراً اسمه المكاء، يعنى به طيراً اسمه المكاء، ورجلان عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فيصفقان بأيديهما ليخلطا على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وقراءته، فقتلهم الله ببدر هؤلاء الأربعة، ولهم يقول الله ولبقية بني عبد الدار: ﴿ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ ﴾، يعني القتل ببدر.
﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٣٥] بتوحيد الله عز وجل.