ثم قال، يعني هؤلاء الكفار من أهل مكة: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾، يقول: فإن استأمنك أحد من المشركين بعد خمسين يوماً فأمنه من القتل.
﴿ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ﴾، يعني القرآن، فإن كره أن يقبل ما في القرآن ﴿ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾، يقول: رده من حيث أتاك، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله.
﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦] بتوحيد الله. ثم ذكرهم أيضاً مشركي مكة، فقال: ﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ ﴾، ثم استثنى خزاعة، وبنى مدلج، وبنى خزيمة، الذين أجلهم أربعة أشهر، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾ بالحديبية، فلهم العهد ﴿ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ ﴾ بالوفاء إلى مدتهم، يعني تمام هذه أربعة الأشهر من يوم النحر.
﴿ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ ﴾ بالوفاء.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٧].
ثم حرض المؤمنين على قتال كفار مكة الذين لا عهد لهم؛ لأنهم نقضوا العهد، فقال: ﴿ كَيْفَ ﴾ لا تقاتلونهم.
﴿ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ يقول: لا يحفظوا فيكم قرابة ولا عهداً.
﴿ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾، يعني بألسنتهم ﴿ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ ﴾، وكانوا يحسنون القول للمؤمنين، فيرضونهم وفى قلوبهم غير ذلك فأخبر عن قولهم، فذلك قوله: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [آية: ٨].
ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾، يعني باعوا إيماناً بالقرآن بعرض من الدنيا يسيراً، وذلك أن أبا سفيان كان يعطي الناقة والطعام والشىء ليصد بذلك الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: ﴿ فَصَدُّواْ ﴾ الناس ﴿ عَن سَبِيلِهِ ﴾، أي عن سبيل الله، يعني عن دين الله، وهو الإسلام.
﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ ﴾، يعني بئس ﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٩]، يعني بئس ما عملوا بصدهم عن الإسلام. ثم أخبر أيضاً عنهم، فقال: ﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾، يعني لا يحفظون فى مؤمن قرابة ولا عهداً.
﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ ﴾ [آية: ١٠].
يقول: ﴿ فَإِن تَابُواْ ﴾ من الشرك.
﴿ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ ﴾، أى أقروا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
﴿ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ﴾ ونبين ﴿ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١١] بتوحيد الله.﴿ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ ﴾، يعني نقضوا عهدهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم واعد كفار مكة سنتين، وأنهم عمدوا فأعانوا كنانة بالسلاح على قتال خزاعة، وخزاعة صلح النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فى ذلك نكث للعهد، فاستحل النبي صلى الله عليه وسلم قتالهم، فذلك قوله: ﴿ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم ﴾ ﴿ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ ﴾، فقالوا: ليس دين محمد بشىء.
﴿ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ﴾، يعني قادة الكفر كفار قريش: أبا سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم.
﴿ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ﴾؛ لأنهم نقضوا العهد الذي كان بالحديبية، يقول: ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَنتَهُونَ ﴾ [آية: ١٢] عن نقض العهد ولا ينقضون.