ثم حرض المؤمنين على قتالهم، فقال: ﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ ﴾ يعني نقضوا عهدهم حين أعانوا كنانة بالسلاح على خزاعة، وهم صلح النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حين هموا في دار الندوة بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، أو بوثاقه أو بإخراجه.
﴿ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ بالقتال حين ساروا إلى قتالكم ببدر.
﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ﴾ فلا تقاتلونهم.
﴿ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾ في ترك أمره.
﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ ﴾ [آية: ١٣] به، يعني إن كنتم مصدقين بتوحيد الله عز وجل. ثم وعدهم النصر، فقال: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ بالقتل.
﴿ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٤]، وذلك أن بنى كعب قاتلوا خزاعة، فهزموهم وقتلوا منهم، وخزاعة صلح النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانوهم كفار مكة بالسلاح على خزاعة، فاستحل النبي صلى الله عليه وسلم قتال كفار مكة بذلك، وقد ركب عمرو بن عبد مناة الخزاعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستعيناً به، فقال له: اللهم إني ناشد محمدا   حلف أبينا وأبيه الأتلداكان لنا أبا وكنا ولدا   نحن ولدناكم فكنتم ولداثمت أسلمنا ولم ننزع يدا   فانصر رسول الله نصراً أيداوادع عباد الله يأتوا مددا   فيهم رسول الله قد تجردافى فيلق كالبحر يجرى مزيدا   إن قريشاً أخلفوك الموعداونقضوا ميثاقك المؤكدا   ونصبوا لي في الطريق مرصداوبيتونا بالوتين هجدا   وقتلونا ركعاً وسجداوزعموا أن لست أدعوا أحدا   وهم أذل وأقل عدداقال: فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم ونظر إلى سحابة قد بعثها الله عز وجل، فقال:" " والذي نفسي بيده، إن هذه السحابة لتستهل بنصر خزاعة على بني ليث بن بكر "، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، فعسكر وكتب حاطب إلى أهل مكة بالعسكر، وسار النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فافتتحها، وقال لأصحابه: كفوا السلاح، إلا عن بني بكر إلى صلاة العصر، وقال لخزاعة أيضاً: " كفوا، إلا عن بني بكر "، يعني خزاعة.
﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾، يعني قلوب قوم مؤمنين، يعني خزاعة.
﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ﴾، وشفي الله قلوب خزاعة من بني ليث بن بكر، وأذهب غيظ قلوبهم، ثم قال: ﴿ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ﴾، فيهديهم لدينه.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بخلفه ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ١٥] في أمره.﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ ﴾ على الإيمان ولا تبتلوا بالقتل.
﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ﴾، يعني ولما يرى الله ﴿ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ ﴾ العدو ﴿ مِنكُمْ ﴾ في سبيله، يقول: لا يرى جهادكم حتى تجاهدوا.
﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ ﴾ من دون ﴿ رَسُولِهِ وَلاَ ﴾ من دون ﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾ يتولجها، يعني البطانة من الولاية للمشركين.
﴿ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٦].
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾، يعني مشركي مكة.
﴿ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللهِ ﴾، يعني المسجد الحرام.
﴿ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾، نزلت في العباس بن عبد المطلب، وفي بني أبي طلحة، منهم: شيبة بن عثمان صاحب الكعبة، وذلك أن العباس، وشيبة، وغيرهم، أسروا يوم بدر، فأقبل عليهم نفر من المهاجرين، فيهم على بن أبى طالب والأنصار وغيرهم، فسبوهم وعيروهم بالشرك، وجعل علي بن أبى طالب يوبخ العباس بقتال النبي صلى الله عليه وسلم، وبقطيعته الرحم، وأغلظ له القول، فقال له العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا، قالوا: وهل لكم محاسن؟ قال: نعم، نحن أفضل منكم أجراً، إما لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، يعني الأسير، فافتخروا على المسلمين بذلك، فأنزل الله: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾.
﴿ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾، يعني ما ذكروا من محاسنهم، يعني بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة، كما قال نوح، وهود، لقومه:﴿ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ ﴾بالمطر﴿ مِّدْرَاراً ﴾[هود: ٥٢]، يعني متتابعاً،﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾[توح: ١٢]، فهذا في الدنيا لو آمنوا، ثم قال: ﴿ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ١٧] لا يموتون.


الصفحة التالية
Icon