ثم أخبر عن أبي الخواص، أن غير أبي الخواص أحق منه بالصدقة، وبين أهلها، فقال: ﴿ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ ﴾ الذين لا يسألون الناس ﴿ وَٱلْمَسَاكِينِ ﴾ الذين يسألون الناس.
﴿ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ يعطون مما جبوا من الصدقات على قدر ما جبوا من الصدقات، وعلى قدر ما شغلوا به أنفسهم عن حاجتهم.
﴿ وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ يتألفهم بالصدقة، يعطيهم منها، منهم: أبو سفيان، عيينة بن حصن، وسهل بن عمرو، وقد انقطع حتى المؤلفة اليوم، إلا أن ينزل قوم منزلة أولئك، فإن أسلموا أعطوا من الصدقات، تتألفهم بذلك ليكونوا دعاة إلى الدين.
﴿ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾، يعني وفى فك الرقاب، يعني أعطوا المكاتبين.
﴿ وَٱلْغَارِمِينَ ﴾، وهو الرجل يصيبه غرم في ماله من غير فساد ولا معصية.
﴿ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعني في الجهاد، يعطي على قدر ما يبلغه في غزاته.
﴿ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾، يعني المسافر المجتاز وبه حاجة، يقول: ﴿ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ ﴾ لهم هذه القسمة؛ لأنهم أهلها.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بأهلها.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٦٠] حكم قسمتها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تحل الصدقة لمحمد، ولا لأهله، ولا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي "، يعني القوي الصحيح،" وكان المؤلفة قلوبهم ثلاثة عشر رجلاً، منهم: أبو سفيان بن حرب بن أمية، والأقرع بن حابس المجاشعي، وعيينة بن حصن الفزاري وحويطب بن عبد العزى القرشي، من بني عامر بن لؤي، والحارث بن هشام المخزومي، وحكيم بن حزام، من بني أسد بن عبد العزى، ومالك بن عوف النضري، وصفوان بن أمية القرشي، وعبد الرحمن بن يربوع، وقيس بن عدي السهمي، وعمرو بن مرداس والعلاء بن الحارث الثقفى، أعطى كل رجل منهم مائة من الإبل ليرغبهم في الإسلام ويناصحون الله ورسوله، غير أنه أعطى عبد الرحمن بن يربوع خمسين من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى القرشي خمسين من الإبل، وكان أعطى حكيم بن حزام سبعين من الإبل، فقال: يا نبي الله، ما كنت أرى أن أحداً من المسلمين أحق بعطائك مني، فزاده النبي صلى الله عليه وسلم فكره، ثم زاده عشرة، فكره، فأتمها له مائة من الإبل، فقال حكيم: رسول الله، عطيتك الأولى التى رغبت عنها، أهي خير أم التي قنعت بها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الإبل التى رغبت عنها، فقال: والله لا آخذ غيرها، فأخذ السبعين، فمات وهو أكثر قريش مالاً، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم العطايا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعطي رجلاً وأترك آخر، وإن الذي أترك أحب إليَّ من الذي أعطى، ولكن أتألف بالعطية، وأوكل المؤمن إلى إيمانه ".﴿ وَمِنْهُمُ ﴾، يعني من المنافقين.
﴿ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ ﴾ صلى الله عليه وسلم، منهم: الجلاس بن سويد، وشماس بن قيس، والمخش بن حمير، وسماك بن يزيد، وعبيد بن الحارث، ورفاعة بن زيد، ورفاعة بن عبد المنذر، قالوا ما لا ينبغي، فقال رجل منهم: لا تفعلوا، فإنا نخاف أن يبلغ محمداً فيقع بنا، فقال الجلاس: نقول ما شئنا، فإنما محمد أذن سامعة، فنأتيه بما نقول، فنزلت في الجلاس: ﴿ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾، يعني يصدق المؤمنين.
﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾، يقول: محمد رحمة للمؤمنين، كقوله: ﴿ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: ١٢٨]، يعني للمصدقين بتوحيد الله: ﴿ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ ﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٦١] يعني وجيع.﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ بعد اليوم، منهم: عبد الله بن أبي، حلف ألا نتخلف عنك، ولنكونن معك على عدوك.
﴿ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾، فيها تقديم.
﴿ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٦٢] يعني مصدقين بتوحيد الله عز وجل.﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ ﴾، يعني المنافقين.
﴿ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾، يعني يعادي الله ورسوله.
﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ﴾ لا يموت.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ العذاب ﴿ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ٦٣].
قوله: ﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾، نزلت في الجلاس بن سويد، وسماك بن عمر، ووداعة بن ثابت، والمخش بن حمير الأشجعى، وذلك أن المخش قال لهم: والله لا أدري إني أشر خليقة الله، والله لوددت أني جلدت مائة جلدة، وأنه لا ينزل فينا ما يفضحنا، فنزل: ﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ ﴿ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ ﴾، يعني براءة.
﴿ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم ﴾ من النفاق، وكانت تسمىالفاضحة.
﴿ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ ﴾ مبين ﴿ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [آية: ٦٤].
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾، وذلك حين انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة تبوك إلى المدينة، وبين يديه هؤلاء النفر الأربعة يسيرون، ويقولون: إن محمداً يقول إنه نزل في إخواننا الذين تخلفوا في المدينة كذا وكذا، وهم يضحكون ويستهزءون، فأتاه جبريل، فأخبره بقولهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عماراً أنهم يستهزءون ويضحكون من كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنك إذا سألتهم ليقولن لك: ﴿ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾ فيما يخوض فيه الركب إذا ساروا، قال: فأدركهم قبل أن يحترقوا فأدركهم، فقال: ما تقولون؟ قالوا: فيما يخوض فيه الركب إذا ساروا، قال عمار: صدق الله ورسوله، وبلغ الرسول، عليه السلام، عليكم غضب الله، هلكتم أهلككم الله. ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال المخش: كنت أسايرهم والذى أنزل عليك الكتاب ما تكلمت بشىء مما قالوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينههم عن شىء مما قالوا، وقبل العذر، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾، يعني ونتلهى.
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [آية: ٦٥]، استهزءوا بالله لأنهما من الله عز وجل.﴿ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ ﴾، يعني المخش الذي لم يخض معهم.
﴿ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً ﴾، يعني الثلاثة الذين خاضوا واستهزءوا ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٦٦]،" فقال المخش للنبي صلى الله عليه وسلم: وكيف لا أكون منافقاً واسمي وأسمائي أخبث الأسماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك، قال: المخش بن حمير الأشجعي حليف الأنصار لبني سلمة بن جشم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت عبد الله بن عبد الرحمن "، فقتل يوم اليمامة.


الصفحة التالية
Icon