قوله: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾، يعني قصور الياقوت والدر، فتهب ريح طيبة من تحت العرش بكثبان المسك الأبيض، نظيرها في﴿ هَلْ أَتَىٰ ﴾﴿ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾[الإنسان: ٢٠]، عاليهم كثبان المسك الأبيض، ثم قال: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾، يعني ورضوان الله عنهم.
﴿ أَكْبَرُ ﴾، يعني أعظم مما أعطوا في الدنة من الخير.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ الذواب ﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ٧٢]، وفى ذلك أن الملك من الملائكة يأتي باب ولي الله، فلا يدخل عليه إلا بإذنه، والقصة في: ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ ﴾.
قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾، يعني كفار العرب بالسيف.
﴿ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ على المنافقين باللسان، ثم ذكر مستقرهم في الآخرة، فقال: ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾، يعني مصيرهم جهنم، يعني كلا الفريقين.
﴿ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ٧٣]، يعني حين يصيرون إليها.﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ ﴾، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في غزاة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن، ويعيب المنافقين المتخلفين، جعلهم رجساً، فسمع من غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين، فغضبوا لإخوانهم المتخلفين، فقال جلاس بن سويد بن الصامت، وقد سمع عامر بن قيس الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، الجلاس يقول: والله لئن كان ما يقول محمد حقاً لإخواننا الذين خلفناهم وهم سراتنا وأشرافنا، لنحن أشر من الحمير، فقال عامر بن قيس للجلاس: أجل والله، إن محمداً لصادق مصدق، ولأنت أشر من الحمار." فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أخبر عاصم بن عدي الأنصاري عن قول عامر بما قال الجلاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر والجلاس، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم للجلاس ما قال، فحلف الجلاس بالله ما قال ذلك، فقال عامر: لقد قاله وأعظم منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ، قال: أرادوا قتلك، فنفر الجلاس من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوما فاحلفا، فقاما عند المنبر، فحلف الجلاس ما قال ذلك، وأن عامراً كذب، ثم حلف عامر بالله إنه لصادق، ولقد سمع قوله، ثم رفع عامر بيده، فقال: اللهم أنزل على عبدك ونبيك تكذيب الكاذب وصدق الصادق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين "، فأنزل في الجلاس: ﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ ﴾.
﴿ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ﴾، يعني بعد إقرارهم بالإيمان.
﴿ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾ من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة.
﴿ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ ﴾، فقال الجلاس: فقد عرض الله عليَّ التوبة، أجل والله لقد قلته، فصدق عامراً، وتاب الجلاس وحسنت توبته، ثم قال: ﴿ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾ من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، يعني المنافقين أصحاب العقبة ليلة هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة بغزوة تبوك، منهم عبد الله بن أبي، رأس المنافقين، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح، وطعمة بن أبيرق، والجلاس بن سويد، ومجمع بن حارثة، وأبو عامر بن النعمان، وأبو الخواص، ومرارة بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، وعبد الله بن عتيبة، ومليح التميمى، وحصن بن نمير، ورجل آخر، هؤلاء اثنا عشر رجلاً، وتاب أبو لبابة عن عبد المنذر، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك الشاعر، وكانوا خمسة عشر رجلاً: ﴿ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ ﴿ وَإِن يَتَوَلَّوْاْ ﴾ عن التوبة.
﴿ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ يعني شديداً.
﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ ﴾ يمنعهم ﴿ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [آية: ٧٤]، يعني مانع من العذاب.