﴿ وَمِنْهُمْ ﴾، يعني من المنافقين.
﴿ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾ ولنصلن رحمي.
﴿ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٧٥]، يعني من المؤمنين بتوحيد الله؛ لأن المنافقين لا يخلصون بتوحيد الله عز وجل، فأتاه الله برزقه، وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلاً من المنافقين خطأ، وكان حميماً لحاطب، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم دينه إلى ثعلبة بن حاطب، فبخل ومنع حق الله، وكان المقتول قرابة بن ثعلبة بن حاطب. يقول الله: ﴿ فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾، يعني أعطاهم من فضله.
﴿ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٧٦].
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾، يعني إلى القيامة ﴿ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ﴾ [آية: ٧٧]، لقوله: لئن آتانا الله، يعني أعطاني الله، لأصدقن ولأفعلن، ثم لم يفعل،. ثم ذكر أصحاب العقبة، فقال: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾، يعني الذي أجمعوا عليه من قتل النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ ﴾ [آية: ٧٨].
ثم نعت المنافقين، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾، وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالصدقة وهو يريد غزاة تبوك، وهى غزاة العسرة، فجاء عبد الرحمن بن عوف الزهري بأربعة آلاف درهم، كل درهم مثقال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكثرت يا عبد الرحمن بن عوف، هل تركت لأهلك شيئاً؟، قال: يا رسول الله، مالى ثمانية آلاف، أما أربعة آلاف فأقرضتها ربي، وأما أربعة آلاف الأخرى، فأمسكتها لنفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت "، فبارك الله في مال عبد الرحمن، حتى أنه يوم مات بلغ ثمن ماله لامرأتيه ثمانين ومائة ألف، لكل امرأة تسعون ألفاً. وجاء عاصم بن عدي الأنصاري، من بني عمرو بن عوف بسبعين وسقاً من تمر، وهو حمل بعير، فنثره في الصدقة، واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قلته، وجاء أبو عقيل بن قيس الأنصارى، من بنى عمرو، بصاع فنثره في الصدقة، فقال: يا نبي الله، بت ليلتى أعمل في النخل أجر بالجرين على صاعين، فصاع أقرته ربي، وصاع تركته لأهلي، فأحببت أن يكون لي نصيب في الصدقة، ونفر من المنافقين جلوس، فمن جاء بشيء كثير، قالوا: مراء، ومن جاء بقليل، قالوا: كان هذا أفقر إلى ماله، وقالوا لعبد الرحمن وعاصم: ما أنفقتم إلا رياء وسمعة، وقالوا لأبي عقيل: لقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل. فسخروا وضحكوا منهم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ﴾، يعني يطعنون، يعني معتب بن قيس، وحكيم بن زيد: ﴿ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾، يعني عبد الرحمن بن عوف، وعاصم.
﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُم ﴾، يعني أبا عقيل: ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾، يعني من المؤمنين.
﴿ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ ﴾، يعني سخر الله من المنافقين في الآخرة.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٧٩]، يعني وجيع، نظيرها:﴿ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ﴾[هود: ٣٨]، يعني سخر الله من المنافقين.﴿ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾، يعني المنافقين.
﴿ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ [آية: ٨٠]، فقال عمر بن الخطاب: لا تستغفر لهم بعد ما نهاك الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا عمر، أفلا أستغفر لهم إحدى وسبعين مرة "فأنزل الله عز وجل:﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ ﴾[المنافقون: ٦] من شدة غضبه عليهم، فصارت الآية التي في براءة منسوخة، نسختها التى في المنافقين: ﴿ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾.
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ ﴾ عن غزاة تبوك.
﴿ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾ وهم بضع وثمانون رجلاً، منهم من اعتل بالعسرة، وبغير ذلك.
﴿ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ ﴾ بعضهم لبعض: ﴿ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ ﴾ مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك في سبعة نفر، أبو لبابة وأصحابه، قالوا بأن الحر شديد والسفر بعيد.
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [آية: ٨١] في قراءة ابن مسعود: لو كانوا يعلمون.﴿ فَلْيَضْحَكُواْ ﴾ في الدنيا ﴿ قَلِيلاً ﴾، يعني بالقليل الاستهزاء، فإن ضحكهم ينقطع.
﴿ وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾ في الآخرة في النار ندامة، والكثير الذي لا ينقطع.
﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٨٢].
﴿ فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ ﴾ من غزاة تبوك إلى المدينة.
﴿ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً ﴾ في غزاة.
﴿ وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، يعني من تخلف من المنافقين، وهي طائفة، وليس كل من تخلف عن غزاة تبوك منافق.
﴿ فَٱقْعُدُواْ ﴾ عن الغزو ﴿ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ ﴾ [آية: ٨٣]، منهم: عبد الله بن أبى، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير. وذلك أن عبد الله بن أبى رأس المنافقين توفي، فجاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنشدك بالله أن لا تشمت بي الأعداء، فطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على أبيه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل، فنزلت فيه: ﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم ﴾، يعني من المنافقين.
﴿ مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ ﴾، يعني بتوحيد الله.
﴿ وَ ﴾ كفروا بـ ﴿ رَسُولِهِ ﴾ بأنه ليس برسول.
﴿ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [آية: ٨٤]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه، وأمر أصحابه فصلوا عليه.﴿ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ ﴾، يقول: ﴿ وتذهب { أَنفُسُهُمْ ﴾ كفاراً، يعني يموتون على الكفر، فذلك قوله: ﴿ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٨٥].