وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدموا المدينة:" لا تجالسوهم، ولا تكلموهم "، ثم قال: ﴿ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ﴾، يعني سنن ما أنزل الله على رسوله في كتابه، يقول: هم أقل فهماً بالسنن من غيرهم.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٩٧].
﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ ﴾ في سبيل الله ﴿ مَغْرَماً ﴾ لا يحتسبها، كان نفقته غرم يغرمها.
﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ ﴾، يعني يتربص بمحمد الموت، يقول: يموت فنستريح منه ولا نعطيه أموالنا، ثم قال: ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ بمقالتهم ﴿ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ ﴾، نزلت في أعراب مزينة.
﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لمقالتهم.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ [٩٨] بها.﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾، يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له.
﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِر ﴾، يعني يصدق بالتوحيد وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ ﴾ في سبيل الله ﴿ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ ﴾ يعني واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم، ويتخذ النفقة والاستغفار قربات، يعني زلفى عند الله، فيها تقديم، يقول: ﴿ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ﴾ عند الله، ثم أخبر بثوابهم، فقال: ﴿ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾، يعني جنته.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لذنوبهم.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٩٩] بهم، نزلت في مقرن المزني. ثم قال: ﴿ وَٱلسَّابِقُونَ ﴾ إلى الإسلام.
﴿ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ ﴾ الذين صلوا إلى القبلتين، علي بن أبي طالب، عليه السلام، وعشر نفر من أهل بدر ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم ﴾ على دينهم الإسلام.
﴿ بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ بالطاعة.
﴿ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ بالثواب.
﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي ﴾ من ﴿ تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾، يعني بساتين تجرى تحتها الأنهار.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ﴾ لا يموتون.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ الثواب ﴿ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ١٠٠].
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾، يعني جهينة، ومزينة، أسلم، وغفار، وأشجع، كانت منازلهم حول المدينة وهم منافقون، ثم قال: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ﴾ منافقون.
﴿ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ ﴾، يعني حذقوا، منهم: عبد الله بن أبي، وجد بن قيس، والجلاس، ومعتب بن قشير، ووحوج بن الأسلت، وأبو عامر بن النعمان الراهب، الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة.
﴿ لاَ تَعْلَمُهُمْ ﴾ يا محمد.
﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعرف نفاقهم، نحن نعرف نفاقهم.
﴿ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾ عند الموت تضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وفى القر منكر ونكير.
﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٠١]، يعني عذاب جهنم.﴿ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾، يعني غزاة قبل غزاة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَآخَرَ سَيِّئاً ﴾ تخلفهم عن غزاة تبوك، نزلت في أبي لبابة، اسمه مروان بن عبد المنذر، وأوس بن حزام، ووديعة بن ثعلبة وكلهم من الأنصار، وذلك حين بلغهم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقبل راجعاً من غزاة تبوك، وبلغهم ما أنزل الله عز وجل في المتخلفين، أوثقوا أنفسهم هؤلاء الثلاثة إلى سواري المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزاة صلى في المسجد ركعتين قبل أن يدخل إلى أهله، وإذا خرج إلى غزاة صلى ركعتين، فلما رآهم موثقين، سأل عنهم، قيل: هذا أبو لبابة وأصحابه، ندموا على التخلف، وأقسموا ألا يحلو أنفسهم حتى يحلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أحلف لا أطلق عنهم حتى أومر، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله عز وجل "، فأنزل الله في أبى لبابة وأصحابه: ﴿ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾، يعني غزوتهم قبل ذلك.
﴿ وَآخَرَ سَيِّئاً ﴾، يعني تخلفهم بغير إذن.
﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لتخلفهم.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ١٠٢] بهم. قال مقاتل: العسى من الله واجب، فلما نزلت هذه الآية حلهم النبى، عليه السلام، فرجعوا إلى منازلهم، ثم جاءوا بأموالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه أموالنا التى تخلفنا من أجلها عنك، فتصدق بها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها، فأنزل الله: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾ من تخلفهم.
﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾، يعني وتصلحهم ﴿ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾، يعني واستغفر لهم.
﴿ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾، يعني إن استغفارك لهم سكن لقلوبهم وطمأنينة لهم.
﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لقولهم: خذ أموالنا فتصدق بها.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٠٣].
بما قالوا.﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ﴾، يعني ويقبل ﴿ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٠٤]، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أموالهم التى جاءوا بها الثلث، وترك الثلثين؛ لأن الله عز وجل، قال: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾، ولم يقل: خذ أموالهم، فلذلك لم يأخذها كلها، فتصدق بها عنهم.


الصفحة التالية
Icon