ثم رغب الله في الجهاد، فقال: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ ﴾ يعني بقية آجالهم: ﴿ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ﴾ العدو.
﴿ وَيُقْتَلُونَ ﴾، ثم يقتلهم العدو.
﴿ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً ﴾ حتى ينجز لهم ما وعدهم، يعني ما ذكر من وعدهم في هذه الآية، وذلك أن الله عهد إلى عباده أن من قتل في سبيل الله فله الجنة، ثم قال: ﴿ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ ﴾، فليس أحداً أوفى منه عهداً، ثم قال: ﴿ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ﴾ الرب بإقراركم.
﴿ وَذَلِكَ ﴾ الثواب ﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ١١١]، يعني النجاء العظيم، يعني الجنة. ثم نعت أعمالهم، فقال: ﴿ ٱلتَّائِبُونَ ﴾ من الذنوب.
﴿ ٱلْعَابِدُونَ ﴾، يعني الموحدين.
﴿ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ﴾، يعني الصائمين.
﴿ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ﴾ في الصلاة المكتوبة.
﴿ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ ﴾، يعني بالإيمان بتوحيد الله.
﴿ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ﴾، يعني عن الشرك.
﴿ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ ﴾، يعني ما ذكر في هذه الآية لأهل الجهاد.
﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١١٢]، يعني الصادقين بهذا الشرط بالجنة.﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ إلى آخر الآية، وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بعدما افتتح مكة: أي أبويه أحدث به عهداً؟، قيل له: أمك آمنة بنت وهب بن عبد مناف، قال: حتى أستغفر لها، فقد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ﴾، يعني ما ينبغي للنبي ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ ﴿ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا ﴾ كانوا كافرين فـ ﴿ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ١١٣] حين ماتوا على الكفر، نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبى طالب، عليه السلام. فقد استغفر إبراهيم لأبيه وكان كافراً، فبين الله كيف كانت هذه الآية، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ ﴾، وذلك أنه كان وعد أباه أن يستغفر له، فلذلك استغفر له.
﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ﴾ لإبراهيم ﴿ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ ﴾ حين مات كافراً، لم يستغفر له، و ﴿ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ ﴾، يعني لموقن بلغة الحبشة.
﴿ حَلِيمٌ ﴾ [آية: ١١٤]، يعني تقي زكي.﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ﴾، وذلك أن الله أنزل فرائض، فعمل بها المؤمنون، ثم أنزل بعدما نسخ به الأمر الأول فحولهم إليه، وقد غاب أناس لم يبلغهم ذلك، فيعملوا بالناسخ بعد النسخ، وذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله، كنا عندك والخمر حلال، والقبلة إلى بيت المقدس، ثم غبنا عنك، فحولت القبلة ولم نشعر بها، فصلينا إليها بعد التحويل والتحريم، وقالوا: ما ترى يا رسول الله، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ﴾ المعاصي، يقول: ما كان الله ليترك قوماً حتى يُبَيّن لهم ما يتقون حين رجعوا من الغيبة، وما يتقون من المعاصي.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١١٥] من أمرهم بنسخ ما يشاء من القرآن، فيجعله منسوخاً ويقر ما يشاء فلا ينسخه.