ولما كذب كفار مكة محمداً بالرسالة، أخبر الله محمداً، عليه السلام، أنه أرسله رسولاً كما أرسل نوحاً، وهوداً، وصالحاً، ولوطاً، وشعيباً، في هذه السورة، فقال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾، فقال لهم: ﴿ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ ﴾ من العذاب في الدنيا.
﴿ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٢٥]، يعني بين، نظيرها في سورة نوح. ثم قال: ﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ في الدنيا.
﴿ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ [آية: ٢٦]، يعني وجيع.﴿ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾ الأشراف ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا ﴾، يعني إلا آدمياً مثلنا لا تفضلنا بشىء.
﴿ وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾، يعني الرذالة من الناس السفلة.
﴿ بَادِيَ ٱلرَّأْيِ ﴾، يعني بدا لنا أنهم سفلتنا.
﴿ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ في ملك ولا مال ولا شيء فنتبعك، يعنون نوحاً.
﴿ بَلْ نَظُنُّكُمْ ﴾، يعني نحسبك من الـ ﴿ كَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٢٧] حين تزعم أنك رسول نبي.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ ﴾، يعني بيان من ربي.
﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً ﴾، يعني وأعطاني نعمة.
﴿ مِّنْ عِندِهِ ﴾، وهو الهدى.
﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾، يعني فخفيت عليكم الرحمة.
﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا ﴾، يعني الرحمة، وهي النعمة والهدى.
﴿ كَارِهُونَ ﴾ [آية: ٢٨].
﴿ وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً ﴾، يعني جُعلاً على الإيمان.
﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾، يعني ما جزائى.
﴿ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ في الآخرة.
﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾، يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من السفلة عندكم، ثم قال: ﴿ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ﴾، فيجزئهم بإيمانهم، كقوله:﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾[الشعراء: ١١٣]، يعني لو تعلمون إذا لقوه.
﴿ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾ [آية: ٢٩]ما آمركم به، وما جئت به.﴿ وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي ﴾ يمنعني ﴿ مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ﴾، يعني إن لم أقبل منهم الإيمان، أي من السفلة.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعني أفهلا ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٣٠] أنه لا مانع لأحد من الله.﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ ﴾، يعني مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم.
﴿ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ ﴾، يقول: ولا أقول لكم عندي غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك قول نوح في الشعراء:﴿ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾[الشعراء: ١١٢]، ثم قال لهم نوح: ﴿ وَلاَ أَقُولُ ﴾ لكم ﴿ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ من الملائكة، إنما أنا بشر، لقولهم:﴿ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا... ﴾[هود: ٢٧] إلى آخر الآية.﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ ﴾، يعني السفلة.
﴿ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ﴾، يعني إيماناً، وإن كانوا عندكم سفلة.
﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾، يعني بما في قلوبهم، يعني السفلة من الإيمان، قال نوح: ﴿ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٣١] إن لم أقبل منهم الإيمان.﴿ قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا ﴾، يعني ماريتنا.
﴿ فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾، يعني مراءنا.
﴿ فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ من العذاب.
﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٣٢] بأن العذاب نازل بنا، لقوله في هذه الآية الأولى: ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم ﴾ [هود: ٢٦].
وذلك أن الله أمر نوحاً أن ينذرهم العذاب في سورة نوح فكذبوه، فقالوا: ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾، بأن العذاب نازل بنا، فرد عليهم نوح: ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ ﴾، وليس ذلك بيدى.
﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [آية: ٣٣]، يعني بسابقي الله بأعمالكم الخبثة حتى يجزيكم بها.﴿ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ ﴾ فيما أحذركم من العذاب.
﴿ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾، يعني يضلكم عن الهدى، فـ ﴿ هُوَ رَبُّكُمْ ﴾، ليس له شريك ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٣٤] بعد الموت، فيجزيكم بأعمالكم. ثم ذكر الله تعالى كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة؛ فقال: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ﴾، نظيرها في حم الزخرف:﴿ أمْ أَنَآ خَيْرٌ ﴾، يعني بل أنا خير﴿ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ ﴾[الزخرف: ٥٢].
﴿ ٱفْتَرَاهُ ﴾، قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، وليس من الله.
﴿ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ ﴾ يعني تقولته من تلقاء نفسي.
﴿ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ﴾، فعلي خطيئتي بافترائي على الله.
﴿ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ [آية: ٣٥]، يعني بريء من خطاياكم، يعني كفركم بالله عز وجل.


الصفحة التالية
Icon