ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم، فقال سبحانه: ﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ ﴾، وهو التوحيد.
﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، ثم قال: ﴿ وَ ﴾ يثبتهم ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد، وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير، فيجلسانه في القبر، فيسألانه،: من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فيقول: ربي الله عز وجل، وديني الإسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولي، فيقولان له: وقيت وهديت، ثم يقولان: اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾، أي يثبت الله قول الذين آمنوا. ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير، يطآن في أشعارهما، ويحفران الأرض بأنيابهما، وينالان الأرض بأيديهما، أعينهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، ومعهما مرزبة من حديد، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ثم يقولان: اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه. فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده، ويتلهب قبره ناراً، ويصيح صيحة يسمعها كل شىء غير الثقلين، فيلعنونه، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ ﴾[البقرة: ١٥٩]، حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها، فتقول: لعن الله هذا، كان يحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن يضله الله عز وجل عن التوحيد، فذلك قوله: ﴿ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعني المشركين، حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ﴿ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾ [آية: ٢٧]، فيهما، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً ﴾، هذه مدنية إلى آخر الآيتين، وبقية السورة مكية: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً ﴾، وهم بنو أمية، وبنو المغيرة المخزومى، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، يعني القتل والسبى، ثم بعث فيهم رسولاً يدعوهم إلىمعرفة رب هذه النعمة عز وجل، فكفروا بهذه النعمة وبدلوها، ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴾ [آية: ٢٨]، يعني دار الهلاك بلغة عما، فأهلكوا قومهم ببدر. ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ ﴾ [آية: ٢٩]، يعني وبئس المستقر. ثم ذكر كفار قريش، فقال تعالى: ﴿ وَجَعَلُواْ ﴾، يعني ووصفوا ﴿ للَّهِ أَندَاداً ﴾، يعني شركاء.
﴿ لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ ﴾، يعني ليستنزلوا عن دينه، الإسلام.
﴿ قُلْ تَمَتَّعُواْ ﴾ في داركم قليلاً.
﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٣٠].


الصفحة التالية
Icon