قال سبحانه: ﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ ﴾، يقول: وعهدنا إليهم في التوراة.
﴿ لَتُفْسِدُنَّ ﴾، لتهلكن ﴿ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ﴾، فكان بين الهلاكين مائتا سنة وعشر سنين.
﴿ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ [آية: ٤]، يقول: ولتقهرن قهراً شديداً حتى تذلوا، وذلك بمعصيتهم الله عز وجل. فذلك قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا ﴾، يعني وقت أول الهلاكين.
﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾، بختنصر المجوسى ملك بابل وأصحابه.
﴿ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ ﴾، يعني فقتل الناس في الأزقة، وسبى ذراريهم، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وحرق التوراة، ورجع بالسبي إلى بابل، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ﴾ [آية: ٥]، يعني وعداً كائناً لا بد منه، فكانوا ببابل سبعين سنة. ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس، فردهم إلى بيت المقدس، فذلك قوله عز وجل: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾، حتى كثروا، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ﴾ [آية: ٦]، يعني أكثر رجالاً منكم قبل ذلك، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، فيهم أنبياء. ثم قال سبحانه: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ ﴾ العلم لله بعد هذه المرة.
﴿ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾ فلا تهلكوا.
﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾، يعني وإن عصيتم فعلى أنفسكم، فعادا إلى المعاصي الثانية، فسلط الله عليهم أيضاً انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوى، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ ﴾، يعني وقت آخر الهلاكين.
﴿ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾، يعني ليقبح وجوهكم، فقتلهم وسبى ذراريهم، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وقتل علماءهم، وحرق التوراة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ ﴾، يعني بيت المقدس، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت المقدس.
﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، يقول: كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل ذلك، قال سبحانه: ﴿ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ [آية: ٧]، يقول عز وجل: وليدمروا ما علوا، يقول: ما ظهروا عليه تدميراً، كقوله سبحانه في الفرقان:﴿ وَكَلا تَبَّرْنَا تَتْبِيراً ﴾[الفرقان: ٣٩]، يعني وكلا دمرنا تدميراً. ثم قال: ﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾، فلا يسلط عليكم القتل والسبي، ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يدي المقياس، فردهم إلى بيت المقدس فعمروه، ورد الله عز وجل إليهم ألفتهم، وبعث فيهم أنبياء، ثم قال لهم: ﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾، يقول: وإن عدتم إلى المعاصى عدنا عليكم بأشد مما أصابكم، يعني من القتل والسبي، فعادوا إلى الكفر، وقتلوا يحيى بن زكريا، فسلط الله عيلهم ططس بن استاتوس الرومي، ويقال: اصطفابوس، فقتل على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفاً من اليهود، فهم الذين قتلوا الرقيب على عيسى الذى كان شبه لهم، وسبى ذراريهم، وأحرق التوراة، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وذبح فيه الخنازير، فلم يزل خراباً حتى جاء الإسلام، فعمره المسلمون.
﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً ﴾ [آية: ٨]، يعني محبساً لا يخرجون منها أبداً، كقوله عز وجل:﴿ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ ﴾[البقرة: ٢٧٣]، يعني حبسوا في سبيل الله.