﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾، يعني صدقوا بتوحيد ربهم.
﴿ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [آية: ١٣]، حين فارقوا قومهم.﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ بالإيمان.
﴿ إِذْ قَامُواْ ﴾، على أرجلهم قياماً.
﴿ فَقَالُواْ رَبُّنَا ﴾ هو ﴿ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ ﴾، يعني لن نعبد ﴿ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً ﴾، يعني رباً غير الله عز وجل، كفعل قومنا، ولئن فعلنا.
﴿ لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً ﴾ على الله ﴿ شَطَطاً ﴾ [آية: ١٤]، يعني جوراً، نظيرها في ص:﴿ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ ﴾[ص: ٢٢]، وفي سورة الجن:﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً ﴾[الجن: ٤].
ثم قال سبحانه: ﴿ هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾، يعبدونها.
﴿ لَّوْلاَ ﴾، يعني هلا.
﴿ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ﴾، يعني على الآلهة بحجة بينة بأنها آلهة.
﴿ فَمَنْ ﴾، يعني فلا أحد.
﴿ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ [آية: ١٥]، بأن معه آلهة. ثم قال الفتية بعضهم لبعض.
﴿ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾، من دون الله من الآلهة، ثم استثنوا، فقالوا: ﴿ إَلاَّ ٱللَّهَ ﴾، فلا تعتزلوا معرفته، لأنهم عرفوا أن الله تعالى ربهم، وهو خلقهم وخلق الأشياء كلها، ثم قال بعضهم لبعض.
﴿ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ ﴾، يعني انتهوا إلى الكهف، كقوله سبحانه:﴿ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ ﴾[الكهف: ٦٣].
﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ ﴾، يعني يبسط لكم.
﴿ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ رزقاً.
﴿ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً ﴾ [آية: ١٦]، يعني ما يرفق بكم، فهيأ الله لكم الرقود في الغار، فكان هذا من قول الفتية. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ﴾، يعني تميل عن كهفهم فتدعهم.
﴿ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت ﴾ الشمس.
﴿ تَّقْرِضُهُمْ ﴾، يعني تدعهم ﴿ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ﴾، يعني في زاوية من الكهف.
﴿ ذٰلِكَ ﴾، يعني هذا الذي ذكر من أمر الفتية.
﴿ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعني من علامات الله وصنعه.
﴿ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ ﴾ لدينه.
﴿ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ ﴾، عن دينه الإسلام.
﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً ﴾، يعني صاحباً.
﴿ مُّرْشِداً ﴾ [آية: ١٧]، يعني يرشده إلى الهدى؛ لأن وليه مثله في الضلالة.﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً ﴾، حين يقلبون، وأعينهم مفتحة. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، قال: قال مقاتل، عن الضحاك: كان يقلبهم جبريل، عليه السلام، كل عام مرتين؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم.
﴿ وَهُمْ رُقُودٌ ﴾، يعني نيام.
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ﴾، على جنوبهم، وهم رقود لا يشعرون.
﴿ وَكَلْبُهُمْ ﴾، اسمه: قمطير.
﴿ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ ﴾، يعني الفضاء الذي على باب الكهف، وكان الكلب لمكسلمينا، وكان راعي غنم، فبسط الكلب ذراعيه على باب الكهف؛ ليحرسهم، وأنام الله عز وجل الكلب في تلك السنين، كما أنام الفتية، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾ [آية: ١٨].
﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعني وهكذا.
﴿ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ من نومهم فقاموا.
﴿ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ فـ ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ ﴾، وهومكسلمينا، وهو أكبرهم سناً.
﴿ كَم لَبِثْتُمْ ﴾ رقوداً.
﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً ﴾، وكانوا دخلوا الغار غدوة، وبعثوا من آخر النهار، فمن ثم قالوا: ﴿ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ ﴾، يعني الأكبر، وهو مكسلمينا وحده.
﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ في رقودكم منكم، فردوا العلم إلى الله عز وجل، ثم قال مكسلمينا: ﴿ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ ﴾، يعني الدراهم.
﴿ هَـٰذِهِ ﴾ التى معكم.
﴿ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ ﴾، فبعثوا يمليخا.
﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً ﴾، يعني أطيب طعاماً.
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾، يعني وليترفق حتى لا يفطن له.
﴿ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾ [آية: ١٩]، يعني ولا يعلمن بمكانكم أحداً من الناس.﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ يعني يقتلوكم.
﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ﴾، يعني في دينهم الكفر.
﴿ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً ﴾ [آية: ٢٠]، كان هذا من قول مكسلمينا، يقوله للفتية، فلما ذهب يمليخا إلى القرية، أنكروا دراهم دقيوس الجبار، الذى فر منه الفتية، فلما رأوا ذلك، قالوا: هذا رجل كنزاً، فلما خاف أن يعذب، أخبرهم بأمرالفتية، فانطلقوا معه إلى الكهف، فلما انتهى يمليخا إلى الكهف ودخل، سد الله عز وجل باب الكهف عليهم، فلم يخلص إليهم أحد.﴿ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا ﴾، يقول: وهكذا أطلعنا.
﴿ عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ ﴾، يعني ليعلم كفارهم ومكذبوهم بالبعث إذا نظروا إليهم.
﴿ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ في البعث أنه كائن.
﴿ وَ ﴾ ليعلموا ﴿ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ﴾ آيتة، يعني قائمة.
﴿ لاَ رَيْبَ فِيهَا ﴾، يعني لا شك فيها، في القيامة بأنها كائنة.
﴿ إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ﴾، يعني إذ يخلفون في القول في أمرهم، فكان التنازع بينهم أن قالوا: كيف نصنع بالفتية؟ قال بعضهم: نبني عليهم بنياناً، وقال بعضهم، وهم المؤمنون: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً ﴾ [آية: ٢١]، فبنوا مسجداً على باب الكهف.﴿ سَيَقُولُونَ ﴾، يعني نصارى نجران: الفتية ﴿ ثَلاثَةٌ ﴾ نفر.
﴿ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾، يقول الله عز وجل: ﴿ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ ﴾، يعني قذفاً بالظن لا يستيقنونه.
﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾، وإنما صاروا بالواو واو؛ لأنه انقطع الكلام، وقال أبو العباس ثعلب: ألفوا هذه الواو الحال، كان المعنى: هذه حالهم عند ذكر الكلب، هذا قول نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما من المار يعقوبيين، وهم حزب النصارى.
﴿ قُل ﴾ للنصارى: ﴿ رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ من غيره.
﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ ﴾، يعني عدتهم، ثم استثنى: ﴿ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾، قل: ما يعلم عدة الفتية إلا قليل من النسطورية، وهم حزب من النصارى، وأما الذين غلبوا على أمرهم، فهم المؤمنون الذين كانوا يقولون: ابنوا عليهم بنياناً بنداسيس الصلح ومن معه.
﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾، يعني لا تمار يا محمد النصارى في أمر الفيتة.
﴿ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً ﴾، يعني حقاً بما في القرآن، يقول سبحانه: حسبك بما قصصنا عليك من أمرهم.
﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً ﴾ [آية: ٢٢]، يقول: ولا تسأل عن أمر الفتية أحداً من النصارى.﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً ﴾ [آية: ٢٣].
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾، وذلك حين سأل أبو جهل وأصحابه عن أصحاب الكهف، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:" ارجعوا إلىَّ غداً حتى أخبركم "، ولم يستثن، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾ ﴿ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾، يقول: إذا ذكرت الاستثناء فاستثن، يقول الله: قل: إن شاء الله قبل أن ينزل الوحى إليك في أصحاب الكهف.
﴿ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً ﴾ [آية: ٢٤]،" لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: " ارجعوا إليَّ غداً حتى أخبركم عما سألتم "، فقال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: وقل لهم عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد رشداً. "