﴿ وَٱضْرِبْ لهُمْ ﴾، يعني وصف لهم، يعني لأهل مكة.
﴿ مَّثَلاً ﴾، يعني شبهاً.
﴿ رَّجُلَيْنِ ﴾، أحدهما مؤمن واسمه يمليخا، والآخر كافر، واسمه فرطس، وهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فعمد المؤمن فأنفق ماله على الفقراء واليتامى والمساكين، وعمد الكافر فاتخذ المنازل، والحيوان، والبساتين، فذلك قوله سبحانه: ﴿ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا ﴾، يعني الكافر.
﴿ جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً ﴾ [آية: ٣٢].
﴿ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَ ﴾، يعني أعطت ثمراتها كلها.
﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئاً ﴾، يعني ولم تنقص من الثمر شيئاً، يعني جمله وافراً، نظيرها في البقرة:﴿ وَمَا ظَلَمُونَا ﴾[البقرة: ٥٧]، يعني وما نقصونا.
﴿ وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً ﴾ [آية: ٣٣]، يعني أجرينا النهر وسط الجنتين.﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾، يقول: وكان للكافر مال من الذهب والفضة، وغيرها من أصناف الأموال، فلما افتقر المؤمن، أتى أخاه الكافر متعرضاً لمعروفه، فقال له المؤمن: إني أخوك، وهو ضامر البطن، رث الثياب، والكفر ظاهر الدم، غليظ الرقبة، جيد المركب والكسوة، فقال الكافر للمؤمن: إن كنت كما تزعم أنك أخي، فأين مالك الذي ورثت من أبيك؟ قال: أقرضته إلهي الملي الوفي، فقدمته لنفسي ولولدي، فقال: وإنك لتصدق أن الله يرد دين العباد، هيهات هيهات، ضيعت نفسك، وأهلكت مالك، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَقَالَ ﴾ الكافر ﴿ لَصَاحِبِهِ ﴾، وهو المؤمن.
﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾، يعني يراجعه، يقول: ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ [آية: ٣٤]، يعني وأكثر ولداً.﴿ وَدَخَلَ ﴾ الكافر ﴿ جَنَّتَهُ ﴾، وهو بستانه.
﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ ﴾، يعني ما أحسب.
﴿ أَن تَبِيدَ ﴾، يعني أن تهلك.
﴿ هَـٰذِهِ ﴾ الجنة ﴿ أَبَداً ﴾ [آية: ٣٥].
قال: ﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾، يعني القيامة كائنة كما تقول.
﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي ﴾ في الآخرة.
﴿ لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا ﴾، يعني أفضل منها، من جنتي.
﴿ مُنْقَلَباً ﴾ [آية: ٣٦]، يعني مرجعاً. فرد عليه.
﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ ﴾ المؤمن.
﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾، يعني يراجعه: ﴿ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ﴾، يعني آدم، عليه السلام؛ لأن أول خلقه التراب، ثم قال: ﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ ﴾، يعني خلقك فجعلك ﴿ رَجُلاً ﴾ [آية: ٣٧].
﴿ لَّكِنّاْ ﴾ أقول: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ﴾ [آية: ٣٨].
ثم قال المؤمن للكافر.
﴿ وَلَوْلاۤ ﴾، يعني هلا.
﴿ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ﴾، يعني بستانك.
﴿ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ ﴾، يعني فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حول منى ولا قوة، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه: ﴿ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ﴾ [آية: ٣٩].
﴿ فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً ﴾، يعني أفضل.
﴿ مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا ﴾، يعني على جنتك.
﴿ حُسْبَاناً ﴾، يعني عذاباً.
﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ ﴾ جنتك.
﴿ صَعِيداً ﴾، يعني مستوياً ليس فيه شيء.
﴿ زَلَقاً ﴾ [آية: ٤٠]، عيني أملساً.﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً ﴾، يعني يغور في الأرض فيذهب.
﴿ فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً ﴾ [آية: ٤١]، يقول: فلن تقدر على الماء، ثم افترقا، فأرسل الله عز وجل على جنته بالليل عذاباً من السماء، فاحترقت، وغار ماؤها بقوله: و ﴿ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً ﴾.
﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾.
﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ الهلاك، فلما أصبح ورأى جنته هالكة، ضرب بكفه على الأخرى، ندامة على ما أنفق فيها، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾، يعني يصفق بكفيه ندامة.
﴿ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾، يقول: ساقطة من فوقها.
﴿ وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ﴾ [آية: ٤٢].
يقول الله تعالى: ﴿ وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يعني جنداً يمنعونه من عذاب الله الذي نزل بجنته.
﴿ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً ﴾ [آية: ٤٣]، يعني ممتنعاً.﴿ هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ ﴾، يعني السلطان، ليس في ذلك اليوم سلطان غيره، مثل قوله عز وجل:﴿ وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾[الأنفطار: ١٩]، ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله عز وجل، والأمر أيضاً في الدنيا، لكن جعل في الدنيا ملوكاً يأمرون، ومن قرأها بفتح الواو، جعلها من الموالاة.
﴿ هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّه ﴾، يعني البعث الذي كفر به فرطس.
﴿ لِلَّه ٱلْحَقِّ ﴾ وحده، لا يملكه أحد، ولا ينازعه أحد.
﴿ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً ﴾، يعني أفضل ثواباً.
﴿ وَخَيْرٌ عُقْباً ﴾ [آية: ٤٤]، يعني أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي جعل مرجعه إلى النار.