﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ ﴾، يوشع بن نون، وهو ابن أخت موسى، من سبط يوسف بن يعقوب، عليهم السلام: ﴿ لاۤ أَبْرَحُ ﴾، يعني لا أزال أطلب الخضر، وهو من ولد عاميل، من بني إسرائيل.
﴿ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾، يقال لأحدهما: الرش، وللآخر: الكر، فيجتمعان فيصيران نهراً واحداً، ثم يقع في البحر من وراء أذربيجان.
﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾ [آية: ٦٠]، يعني دهراً، ويقال: الحقب ثمانون سنة.﴿ فَلَمَّا بَلَغَا ﴾، يعني موسى ويوشع بن نون.
﴿ مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾ بين البحرين.
﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾، وذلك أن موسى، عليه السلام، لما علم ما في التوراة، وفيها تفصيل كل شىء، قال له رجل من بني إسرائيل: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، ما بقي أحد من عباد الله هو أعلم مني، فأوحى الله عز وجل إليه: أن رجلاً من عبادي يسكن جزائر البحر، يقال له: الخضر، هو أعلم منك، قال: فيكف لي به؟ قال جبريل، عليه السلام: احمل معك سمكة مالحة، فحيث تنساها تجد الخضر هنالك. فسار موسى ويوشع بن نون، ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل البحر، فأوى إلى الصخرة قليلاً والصخرة بأرض تسمى: مروان، على ساحل بحر أيلة، وعندها عين تسمى: عين الحياة، فباتا عندنا تلك الليلة، وقرب موسى المكتل من العين وفيها السمكة، فأصابها الماء فعاشت، ونام موسى، فوقعت السمكة في البحر، فجعل لا يمس صفحتها شىء من الماء إلا انفلق عنه، فقام الماء من كل جانب، وصار أثر الحوت في الماء كهيئة السرب في الأرض، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً ﴾ [آية: ١٦]، يعني الحوت اتخذ سبيله، يعني طريقه في البحر سرباً، يقول: كهيئة فم القربة. فلما أصبحا ومشيا، نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى، عليه السلام، بالحوت حتى أصبحا وجاعا.
﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ ﴾ موسى ﴿ لِفَتَاهُ ﴾، ليوشع: ﴿ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً ﴾ [آية: ٦٢]، يعني مشقة في أبداننا، مثل قوله سبحانه:﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾[ص: ٤١]، يعني مشقة.﴿ قَالَ ﴾ يوشع لموسى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ ﴾، يعني انتهينا إلى الصخرة، وهي في الماء.
﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ ﴾، أن أذكر لك أمره.
﴿ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ ﴾، يعني موسى، عليه السلام، طريقه ﴿ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً ﴾ [آية: ٦٣]، فعجب موسى من أمر الحوت. فلما أخبر يوشع موسى، عليه السلام، بأمر الحوت.
﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾ [آية: ٦٤]، يقول: فرجعا يقصان آثارهما، كقوله سبحانه في القصص:﴿ قُصِّيهِ ﴾[القصص: ١١]، يعني اتبعي أثره، فأخذا، يعني موسى ويوشع، في البحر في أثر الحوت، حتى لقيا الخضر، عليه السلام، في جزيرة في البحر. فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ ﴾، قائماً يصلي.
﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾، يقول: أعطيناه النعمة، وهي النبوة.
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ﴾ [آية: ٦٥]، يقول: من عندنا علماً، وعلى الخضر، عليه السالم، جبة صوف، واسمه: اليسع، وإنما سمى اليسع؛ لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين، فأتاه موسى ويوشع من خلفه، فسلما عليه، فأنكر الخضر السلام بأرضه وانصرف، فرأى موسى فعرفه، فقال: وعليك السلام يا نبي إسرائيل، فقال موسى: وما يدريك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: أدراني الذي أرشدك إليَّ وأدراك بي.﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ﴾ [آية: ٦٦]، يعني علماً، قال الخضر عليه السلام: كفى بالتوراة علماً، وببنى إسرائيل شغلاً، فأعاد موسى الكلام. فـ ﴿ قَالَ ﴾ الخضر: ﴿ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ [آية: ٦٧]، قال موسى: ولم؟ قال: لأني أعمل أعمالاً لا تعرفها، ولا تصبر على ما ترى من العجائب حتى تسألني عنه.﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾ [آية: ٦٨]، يعني علماً.﴿ قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً ﴾، قال مقاتل: فلم يصبر مولى، ولم يأثم بقوله: ﴿ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً ﴾، على ما رأى من العجائب، فلا أسألك عنها.
﴿ وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً ﴾ [آية: ٦٩] فيما أمرتني به، أو نهتنى عنه.﴿ قَالَ ﴾ الخضر، عليه السلام.
﴿ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ [آية: ٧٠]، يقول: حتى أبين لك بيانه.﴿ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾، فمرت سفينة فيها ناس، فقال الخضر: يا أهل السفينة، احملونا معكم في بحر أيلة، قال بعضهم: إن هؤلاء لصوص، فلا تحملوهم معنا، قال صاحب السفينة: أرى وجوه أنبياء، وما هم بلصوص، فحملهم بأجر، فعمد الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها، فدخل الماء فيها، فعمد موسى، فأخذ ثياباً فدسها في خرق السفينة، فلم يدخل الماء، وكان موسى، عليه السلام، ينكر الظلم، فقام موسى إلى الخضر، عليهما السلام، فأخذ بلحيته، و ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ [آية: ٧١]، يعني لقد أتيت أمراً منكراً، فالتزمه الخضر، وذكره الصحبة، وناشده بالله، وركب الخضر على الخرق؛ لئلا يدخلها الماء.﴿ قَالَ ﴾ له الخضر.
﴿ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ [آية: ٧٢]، على ما ترى من العجائب، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذى أعطيته من نفسك.﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي ﴾، يعني تغشيني.
﴿ مِنْ أَمْرِي عُسْراً ﴾ [آية: ٧٣]، يعني من قولي عسراً، ثم قعد موسى مهموماً يقول في نفسه: لقد كنت غنياً عن اتباع هذا الرجل، وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله عز وجل غدوة وعشياً، فعلم الخضر ما حدث به موسى نفسه، وجاء طير يدور، يرون أنه خطاف، حتى وقع على ساحل البحر، فنكث بمنقاره في البحر، ثم وقع على صدر السفينة، ثم صوت، فقال الخضر لموسى: أتدرك ما يقول هذا الطائر؟ قال موسى: لا أدري، قال الخضر، يقول: ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري من ماء البحر في قدر البحر.


الصفحة التالية
Icon