ثم بين النعمة، فقال سبحانه: ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ﴾ [آية: ٣٨]، واسمها يوخاند.﴿ أَنِ ٱقْذِفِيهِ ﴾ أن اجعليه ﴿ فِي ٱلتَّابُوتِ ﴾ والمؤمن الذى صنع التابوت اسمه خربيل بن صابوث ﴿ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ ﴾ يعنى فى نهر مصير، وهو النيل ﴿ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ ﴾ على شاطىء البحر ﴿ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ﴾ يعنى فرعون عدو الله، عز وجل، وعدو لموسى، عليه السلام ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾ فألقى الله، عز وجل، على موسى، عليه السلام، المحبة فأحبوه حين رأوه فهذه النعمة الأخرى ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ ﴾ [آية: ٣٩] حين قذف التابوت فى البحر، وحين التقط، وحين غذى، فكل ذلك بعين الله عز وجل، فلما التقطه جعل موسى لا يقبل ثدى امرأة.﴿ إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ ﴾ مريم ﴿ فَتَقُولُ ﴾ لآل فرعون: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ﴾ يعنى على من يضمه ويرضعه لكم، فقالوا: نعم، فذهبت أخته فجاءت بالأم فقبل ثديها، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ ﴾ يعنى ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ ﴾ عليك ﴿ وَقَتَلْتَ ﴾ حين بلغ أشده ثمانى عشرة سنة ﴿ نَفْساً ﴾ بمصر ﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ ﴾ يعنى من القتل، وكان مغموماً مخافة أن يقتل مكان القتيل ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾ يعنى ابتليناك ببلاء على أثر بلاء، يعنى بالبلاء النقم منذ يوم ولد إلى أن بعثه الله، عز وجل، رسولاً.
﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ ﴾ يعنى عشر سنين ﴿ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ حين كان مع شعيب، عليهما السلام ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ ﴾ يعنى ميقات ﴿ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٤٠].
﴿ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [آية: ٤١] وهو ابن أربعين سنة، يقول: واخترتك لنفسى رسولاً ﴿ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ ﴾ هارون ﴿ بِآيَاتِي ﴾ يعنى اليد والعصا، وهارون يومئذ غائب بمصر، فالتقيا موسى وهارون، عليهما السلام، من قبل أن يصلا إلى فرعون.
﴿ وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ [آية: ٤٢] يقول: ولا تضعفا فى أمرى، فى قراءة ابن مسعود: " ولا تهنا فى ذكرى فى البلاغ إلى فرعون " يجرئهما على فرعون.﴿ ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ [آية: ٤٣] يقول: عصى الله، عز وجل، أربعمائة سنة ﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾ يقول: ادعواه الكنية، يعنى بالقول اللين، هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [آية: ٤٤].
﴿ قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ ﴾ يعنى أن يعجل علينا بالقتل ﴿ أَوْ أَن يَطْغَىٰ ﴾ [آية: ٤٥] يعنى يستعصى.﴿ قَالَ لاَ تَخَافَآ ﴾ القتل ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَآ ﴾ فى الدفع عنكما، فذلك قوله سبحانه:﴿ فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾[القصص: ٣٥] ثم قال: ﴿ أَسْمَعُ ﴾ جواب فرعون ﴿ وَأََرَىٰ ﴾ [آية: ٤٦] يقول: وأعلم ما يقول، كقوله: ﴿... لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ... ﴾ يعنى بما أعلمك الله، عز وجل.﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ﴾ فانقطع كلام الله عز وجل لموسى، عليه السلام، فلما أتيا فرعون، قال موسى لفرعون: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ ﴾ يقول: ولا تسعبدهم بالعمل، يعنى بقوله: معنا، يعنى نفسه وأخاه ﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ ﴾ يعني بعلامة ﴿ مِّن رَّبِّكَ ﴾ وهي اليد والعصا ﴿ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ ﴾ [آية: ٤٧] يقول: والسلام على من آمن بالله، عز وجل.


الصفحة التالية
Icon