﴿ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ ﴾ يقول: أعرض فرعون عن الحق الذى دعى إليه ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ يعنى سحرته ﴿ ثُمَّ أَتَىٰ ﴾ [آية: ٦٠] ﴿ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ لقولهم: إن اليد والعصا ليستا من الله، عز وجل.
﴿ وإنها سحر { فَيُسْحِتَكُم ﴾ يعنى فهلككم جميعاً ﴿ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ ﴾ يعنى وقد خسر ﴿ مَنِ ٱفْتَرَىٰ ﴾ [آية: ٦١] وقال الكذب على الله عز وجل.﴿ فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ يعنى اختلفوا فى قولهم بينهم نظيرها فى الكهف:﴿ إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ﴾[الكهف: ٢١].
﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ ﴾ [آية: ٦٢] من موسى وهارون، عليهما السلام. فنجواهم أن ﴿ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ ﴾ يعنى أرض مصر ﴿ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ ﴾ [آية: ٦٣] يقول: يغلبانكم على الرجال والأمثال، جمع أمثل، وهو الممتاز من الرجال، من أهل العقول والشرف، فيتبعون موسى وهارون، ويتركون فرعون.﴿ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ﴾ يعنى سحركم، هذا قول فرعون لوجوه سحرة قومه ﴿ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً ﴾ يعنى جميعاً ﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ ﴾ يعنى وقد سعد ﴿ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ ﴾ [آية: ٦٤] يعنى من غلب.﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ ﴾ عصاك من يدك ﴿ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ ﴾ نحن ﴿ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴾ [آية: ٦٥].
﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ ﴾ فلما ألقوا ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ﴾ يعنى إلى موسى ﴿ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴾ [آية: ٦٦] وكانت حبالاً وهى لا تتحرك.﴿ فَأَوْجَسَ ﴾ يعنى فوقع ﴿ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ ﴾ [آية: ٦٧] يعنى خاف موسى إن صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه، ويشك فيه من تابعه ﴿ قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ [آية: ٦٨] يعنى الغالب نظيرها﴿ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ ﴾[آل عمران: ١٣٩، محمد: ٣٥] الغالبون، هذا قول جبريل لموسى، عليه السلام، عن أمر ربه، عز وجل، وهو على يمينه تلك الساعة.﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ يعنى عصاه، ففعل، فإذا هى حية ﴿ تَلْقَفْ ﴾ يقول: تلقم ﴿ مَا صَنَعُوۤاْ ﴾ من السحر حتى تلقمت الحبال والعصى ﴿ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ ﴾ يقول: إن الذى عملوا هو عمل ساحر، يعنى كبيرهم، وما صنع موسى فليس بسحر ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ﴾ [آية: ٦٩] أينما كان الساحر فلا يفلح.﴿ فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً ﴾ لله تبارك وتعالى، وكانوا ثلاثة وسبعين ساحراً أكبرهم اسمه شمعون، فلما التقمت الحبال والعصى ألقاهم الله، عز وجل، على وجوههم سجداً ﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا ﴾ يعنى صدقنا ﴿ بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٧٠].
﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ آمَنتُمْ لَهُ ﴾ يعنى صدقتم لموسى ﴿ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾ يقول: قبل أن آمركم بالإيمان لموسى ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾ يعنى لعظيمكم فى السحر، هو ﴿ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾ يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى ﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ ﴾ مثل قوله تعالى:﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ... ﴾[الطور: ٣٨] يعنى عليه ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ ﴾ [آية: ٧١] أنا أو ورب موسى وهارون ﴿ وَأَبْقَىٰ ﴾ وأدوم عذاباً.﴿ قَالُواْ ﴾ يعنى قالت السحرة: ﴿ لَن نُّؤْثِرَكَ ﴾ يعن لن نختارك ﴿ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنون اليد والعصا ﴿ وَ ﴾ لا على ﴿ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا ﴾ يعنى خلقنا، يعنون ربهم، عز وجل، الذى خلقهم ﴿ فَٱقْضِ ﴾ يعنى فاحكم فينا ﴿ مَآ أَنتَ قَاضٍ ﴾ يعنى حاكم من القطع والصلب ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ [آية: ٧٢].
﴿ إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا ﴾ يقول: إنا صدقنا بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ﴾ يقول: سحرنا ﴿ وَ ﴾ يغفر لنا ﴿ وَمَآ ﴾ الذى ﴿ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ ﴾ يعنى ما جبرتناعليه ﴿ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ [آية: ٧٣] يقول الله جل جلاله أفضل منك وأدوم منك يا فرعون، فإنك تموت ويبقى الرب وحده تعالى جده؛ لقول فرعون: ﴿... أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ ﴾ [طه: ٧١].


الصفحة التالية
Icon