﴿ وَقَالُواْ ﴾ أى كفار مكة: ﴿ لَوْلاَ ﴾ يعنى هلا ﴿ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ فتعلم أنه نبى رسول كما كانت الأنبياء تجىء بها إلى قومهم، يقول الله عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ١٣٣] يعنى بيان كتب إبراهيم وموسى الذى كان قبل كتاب محمد، صلى الله عليهم أجمعين.﴿ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ ﴾ فى الدنيا ﴿ مِّن قَبْلِهِ ﴾ يعنى من قبل هذا القرآن فى الآخرة ﴿ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ ﴾ يعنى هلا ﴿ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾ معه كتاب ﴿ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ﴾ يعنى آيات القرآن ﴿ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ﴾ يعنى نستذل ﴿ وَنَخْزَىٰ ﴾ [آية: ١٣٤] يعنى ونعذب فى الدنيا، نظيرها فى القصص.﴿ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ وذلك أن كفار مكة، قالوا: نتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم، الموت لأن النبى صلى الله عليه وسلم، أوعدهم العذاب فى الدنيا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة ﴿ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ أنتم بمحمد الموت، ومحمد يتربص بكم العذاب فى الدنيا ﴿ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ ﴾ إذا نزل بكم العذاب فى الدنيا ﴿ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ ﴾ يعني العدل أنحن أم أنتم ﴿ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾ [آية: ١٣٥] منا ومنكم. حدثناعبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، قال: سمعت الواقدى، ولم أسمع مقاتلا يحدث عن أبى إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أُبى بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى قوله عز وجل:﴿ ... خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾[الكهف: ٨١] قال: أعقبت بعد ذلك غلاماً. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى الهذيل، عن المسيب، عن السدى، ومقاتل، عن حذيفة، أنه لما حان للخضر وموسى، عليهما السلام، أن يفترقا، قال له الخضر: يا موسى، لو صبرت لأتيت على ألف عجيبة أعجب مما رأيت، قال: فبكى موسى على فراقه. فقال موسى للخضر: أوصنى يا نبى الله، قال له الخضر: يا موسى، اجعل همك فى معادك، ولا تخض فيما لا يعينك، ولا تأمن الخوف فى أمنك، ولا تيأس من الأمن فى خوفك، ولا تذر الإحسان فى قدرتك، وتدبر الأمور فى عاقبتك. قال له موسى عليه السلام: زدنى رحمك الله، قال له الخضر: إياك والإعجاب بنفسك، والتفريط فيما بقى من عمرك، واحذر من لا يغفل عنك، قال له موسى، صلى الله عليهما: زدنى رحمك الله، قال له الخضر: إياك واللجاجة، ولا تمش فى غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، ولا تعيرن أحداً من الخاطئين بخطاياهم بعد الندم، وأبك على خطيئتك يابن عمران. قال له موسى صلى الله عليه وسلم: قد أبلغت فى الوصية، فأتم الله عليك نعمته، وغمرك فى رحمته، وكلأك من عدوه، قال له الخضر: آمين، فأوصنى يا موسى. قال له موسى: إياك والغضب إلا فى الله تعالى، ولا ترض عن أحد إلا فى الله عز وجل، ولا تحب لدنيا، ولا تبغض لدنيا تخرج من الإيمان، وتدخلك فى الكفر. قال الخضر، عليهما السلام: قد أبلغت فى الوصية، فأعانك الله على طاعته، وأراك السرور فى أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله، قال له موسى: آمين. فبينما هما جلوس على ساحل البحر إذ انقضت خطافة فنقرت بمنقارها من البحر نقرتين. قال موسى للخضر عليهما السلام: با نبى الله، هل تعلم ما نقص من البحر؟ قال له الخضر: لولا ما نراد فيه لأخبرتك، قال موسى للخضر: يا نبى الله، هل من شىء ليس فيه بركة؟ قال له الخضر: نعم يا موسى، ما من شىء إلا وفيه بركة ما خلا آجال العباد، ومدتهم، ولولا ذلك لفنى الناس. قال موسى: وكيف ذلك؟ قال له الخضر: أن كل شىء ينقص منه، فلا يزاد فيه ينقطع، قال له موسى: يا نبى الله، من أجل أى شىء أعطاك الله عز وجل من بين العباد أن لا تموت حتى نسأل الله تعالى، واطلعت على ما فى قلوب العباد تنظر بعين الله عز وجل؟قال له الخضر: يا موسى، بالصبر عن معصية الله، عز وجل، والشكر لله، عز وجل، فى نعمته، وسلامة القلب لا أخاف ولا أرجوا دون الله أحداً. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، قال: سمعت عبد القدوس يحدث عن الحسن، قال: سمعت ابن عباس على المنبر يقول:﴿ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾[الكهف: ٨١]، قال: جارية مكان الغلام. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبى، عن الهذيل، عن المسيب، عن رجل، عن ابن عباس، فى قوله عز وجل: ﴿... وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا... ﴾ قال: كان لوحاً من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، أحمد رسول الله، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح؟ وعجبت لمن يرى الدنيا وتصريف أهلهما كيف يطمئن إليها؟. حدثنا عيبد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن أبى يوسف، عن الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، فى قوله عز وجل: ﴿... لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ... ﴾، قال: لم ينس، ولكن هذا من معاريض الكلام. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، قال: سمعت المسيب يحدث عن عبيد الله بن مالك، عن على، رضى الله عنه، وقد لقيه، قال: إن الترك سرية خرجوا من يأجوج ومأجوج يغيرون على الناس فردم ذو القرنين دونهم فبقوا. قال مقاتل: إنما سموا الترك؛ لأنهم تركوا خلف الردم. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى ابى، قال: حدثنا الهذيل، عن أبى المليح، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: انتهى ذو القرنين إلى ملك من ملوك الأرض، فقال لذى القرنين: إنك قد بلغت ما لم يبلغه أحد، وقد أخبرت أن عندك علماً، وأنا سائلك عن خصال أربع، فإن أنت أخبرتنى عنهم علمت أنك عالم. ما اثنان قائمان؟ واثنان ساعيان؟ واثنان مشتركان؟ واثنان متباغضان؟ قال له ذو القرنين: أما الاثنان القائمان فالسموات والأرض لم يزولا منذ خلقهما الله، عز وجل، وأما الاثنان الساعيان فالشمس والقمر لم يزالا دائبين منذ خلقهما الله، عز وجل، وأما الاثنان المشتركان فالليل والنهار يأخذ كل واحد منهما من صاحبه، وأما الاثنان المتباغضان فالموت والحياة لا يحب أحدهما صاحبة أبداً، قال: صدقت، فإنك من علماء أهل الأرض. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن المسعودى، عن عون بن عبد الله المزنى، عن مطرف بن الشخير، أنه قال: فضل العلم خير من فضل العمل، وخير العمل أوسطه، والحسنة بين السيئتين. قوله سبحانه:﴿ ... وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾سيئة﴿ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً ﴾[الإسراء: ١١٠] حسنة. قال الهذيل: ولم أسمع مقاتلا. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال الهذيل: قال مقاتل: تفسير آدم، عليه السلام، لأنه خلق من أديم الأرض، وتفسير حواء؛ لأنها خلقت من حى، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه، وتفسير إبراهيم أبو الأمم، ويقال: أب رحيم، وتفسير إسحاق لضحك سارة، ويعقوب لأنه خرج من بطن أمه قابض على عقب العيص، وتفسير يوسف زيادة فى الحسن، وتفسير يحيى: أحيى من بين ميتين، لأنه خرج من بين شيخ كبير، وعجوز عاقر، صلى الله عليهم أجمعين. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنى الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال:" دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنة عمته أم هانىء فنعس، فوضعت له وسادة، فوضع رأسه فنام، بينما هو نائم إذ ضحك فى منامه، ثم وثب فاستوى جالساً، فقالت أم هانىء: لقد سرنى ما رأيت فى وجهك، يا رسول الله، من البشرى، فقال: " يا أم هانئ، إن جبريل، عليه السلام، أخبرنى فى منامى أن ربى عز وجل قد وهب لى أمتى كلهم يوم القيامة، وقال لى: لو استوهبت غيرهم لأعطيناكهم، ففرحت لذلك وضحكت "، ثم وضع رأسه فنام فضحك، ثم وثب فجلس، فقالت له أم هانئ: بأبى أنت وأمى، لقد سرنى ما رأيت من البشرى فى وجهك، قال: " يا أم هانئ، أتانى جبريل، عليه السلام فأخبرنى أن الجنة تشتاق إلىَّ، وإلى أمتى، فضحكت من ذلك وفرحت ". قالت أم هانئ: يحق لك يا رسول الله، أن تفرح، ثم وضع رأسه فنام فضحك فى منامه، فاستوى جالساً، فقالت أم هانئ: لقد سرنى ما رأيت من البشرى فى وجهك يا رسول الله، قال: " يا أم هانئ، عرضت على أمتى، فإذا معهم قضبان النور، إن القضيب منها ليضىء ما بين المشرق والمغرب، فسألت جبريل، عليه السلام، عن تلك القضبان التى فى أيديهم، فقال: ذلك الإسلام يا محمد، صلى الله عليك، وفتحت أبواب الجنة فى منامى فنظرت إلى داخلها من خارجها، فإذا فيها قصور الدر والياقوت، فقلت: لمن هذه؟ فقال: لك يا محمد ولأمتك، ولقد زينها الله عز وجل لك، ولأمتك، قبل أن يخلقك بألفى عام، فضحكت من ذلك "، قالت أم هانئ: يحق لك أن تضحك وتفرح هنيئاً لك مريئاً، يا نبى الله، بما أعطاك ربك. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما خلق الله عز وجل جنة الفردوس وغرسها بيده، فلما فرغ منها لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر مثلها وما فيها، فقال لها تبارك وتعالى: تزينى. فتزينت، ثم قال لها: تزينى. فتزينت، ثم قال لها: تكلمى. فتكلمت، قالت: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: المؤمنون: ١] قال لها: من هم؟ قالت: الموحدون أمة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: ١٠، ١١] ثم أغلق بابها، فلا يفتح إلى يوم القيامة فما يجيئهم من طيب الشجر، فهو من خلال بابها، والحور يوم القيامة على بابها، وأنا قائم على الحوض أرد عنه أمم الكفار كما يرى الراعى غرائب الإبل، حتى تأتى أمتى غراً محجلين من آثار الوضوء أعرفهم فيشربون من ذلك الحوض، فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً "، فقال معاذ: يا رسول الله، لقد سعد الذين يشربون من ذلك الحوض، فقال: " ويحك يا معاذ، من خلق فى بطن أمه موحداً، ويؤمن برسوله، فهو يشرب من ذلك الحوض، ويدخل الفردوس "، قال معاذ: ما أكثر ما يخلق فى بطن أمه مشركاً، ثم يولد وهو مشرك، ثم يموت مؤمناً، فقال: " يا معاذ، ويحك من مات مسلماً فقد خلق فى ظهر آدم مسلماً، ثم تداولته ظهور المشركين حتى أدركنى، فآمن بى، فأولئك إخوانى، وأنتم أصحابى "، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:﴿ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾[الحجر: ٤٧].