فأنزل الله عز وجل ﴿ لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة ﴿ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ ﴾ وذلك أن أيديهم تغل إلى أعناقهم، وتجعل فى أعناقهم صخرة من الكبريت، فتشتعل النار فيها، فلا يستطيعون أن يتقوا النار إلا بوجوههم. فذلك قوله سبحانه:﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾[الزمر: ٢٤] وذلك قوله: حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم لو علموا ذلك ما استعجلوابالعذاب، ثم قال سبحانه: ﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٣٩] يقول: ولا هم يمنعون من العذاب. ثم قال تعالى: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِم ﴾ الساعة ﴿ بَغْتَةً ﴾ يعنى فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ يقول: فتفجؤهم ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾ يعنى أن يردوها ﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [آية: ٤٠] يقول: ولا يناظر بهم العذاب حتى يعذبوا ﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ كما استهزئ بك يا محمد، يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، وذلك أن مكذبى الأمم الخالية كذبوا رسلهم بأن العذاب ليس بنازل بهم فى الدنيا، فلما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم كفار مكة استهزءوا منه تكذيباً بالعذاب. يقول الله عز وجل: ﴿ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ ﴾ يعنى فدار بهم ﴿ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا ﴾ يعنى الذى ﴿ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٤١] بأنه غير نازل بهم.﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ يقول: من يحرسكم ﴿ بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ﴾ عذاب ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٤٢] يعنى القرآن، معرضون عنه. ثم قال سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ نزلت فى الحارث بن قيس السهمى، وفيه نزلت أيضاً فى الفرقان:﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ... ﴾[الجاثية: ٢٣] فقال سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ ﴿ تَمْنَعُهُم ﴾ من العذاب ﴿ مِّن دُونِنَا ﴾ يعنى من دون الله عز وجل فيها تقديم، ثم أخبر عن الآلهة، فقال تعالى: ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ﴾ يقول: لا تستطيع الآلهة أن تمنع نفسها من سوء أريد بها، ثم قال سبحانه: ﴿ وَلاَ هُمْ ﴾ يعنى من يعبد الآلهة ﴿ مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ [آية: ٤٣] يعنى ولا هم منا يجارون، يقول الله تعالى: لا يجيرهم منى ولا يؤمنهم منى أحد.﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ ﴾ يعنى أفهلا يرون ﴿ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ ﴾ يعنى أرض مكة ﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ ﴾ يعنى نغلبهم على ما حول أرض مكة ﴿ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ٤٤] يعنى كفار مكة، أو النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون؟ بل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضى الله عنهم، هم الغالبون لهم، وربه محمود.


الصفحة التالية
Icon